يوجه النقد إلى نفسه وولده وأقربائه حتى ينبه بذلك أذهان الغرباء بأنّه يجري على هذا النمط مع غيرهم أيضاً ، فإذا هو تعامل مع نفسه وولده وأقربائه بما جاء في كلامه فغيرهم أولى بذلك.
ويؤيد هذا الأمر ما في الآية الماضية أنّه سبحانه وجّه خطابه إلى غير النبي بمثل المضمون الوارد في الآية المتقدمة ، قال سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١).
فالهدف من خطاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بسؤال علماء الكتاب إنّما هو ترغيب غيره في سؤال علمائهم ، مشعراً بذلك بأنّ إحدى الطرق للتعرّف على صحة نبوة المدّعي هو تصريح النبي السابق على نبوّة النبي اللاحق باسمه ووصفه وعلائمه وسائر خصوصياته ، وقد جاءت خصوصيات النبي بما لا يدع للمراجع للعهدين أي شك وريب ، وكان علماء أهل الكتاب يعرفون تلك الخصوصيات ومواضعها فيهما ويعرفون النبي الخاتم كما يعرفون أبناءهم قال سبحانه : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٢).
ونظير قوله سبحانه : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (٣).
فليست في هذه الخطابات أيّة دلالة على شك النبي وتردّده في رسالته ، وليست في أُختها أيّة دلالة على ذم النبي وتوبيخه ، وإنّما يعرف ذلك من عرف كيفية خطابات الله سبحانه في كلامه.
__________________
(١) النحل : ٤٣.
(٢) البقرة : ١٤٦.
(٣) الأنعام : ٢٠.