واعلم أن حكم (هلّا) و (إلّا) و (لو لا) و (لو ما) (١) في اختيار النصب بينهما كحكم حروف الجزاء كقولك : هلّا زيدا ضربته ، فإن رفعت فعلى إضمار فعل ما لم يسم فاعله ، ولا يجوز رفعه بالابتداء ؛ لأنها حروف تقتضي الفعل إذ كان فيها معنى الأمر والتحضيض فجرت مجرى الجزاء.
واعلم أن الفعل إذا كان لا يصل إلا بحرف جر لم يضمر ، ولكن يضمر فعل في معناه ؛ لأن حرف الجر لا يجوز إضماره ، وحرف الجر مع المجرور كالشيء الواحد ، وعمل حروف الجر كعمل حروف الجزم ، فكما لا يجوز إضمار الجازم ، فكذلك لا يجوز إضمار الجار ، وعلّة ذلك أجمع أنها عوامل ضعاف إذا كانت حروفا وإنما يحذف العامل لقوته كالفعل لجواز عمله مقدما ومؤخرا فلمّا (٢) كانت هذه الحروف لا يعمل فيها ما قبلها وهي جوامد في أنفسها لم يجز إضمارها ، إذ كان عملها مؤخرة أضعف من عملها فيما قبلها فاعرفه.
فإن قال قائل : فقد أجزتم إضمار رب في قوله :
وبلدة ليس بها أنيس (٣)؟ |
|
... |
قيل له : إنما جاز ذلك ؛ لأن الواو صارت عوضا.
فإن قال قائل : فلم جوزتم إضمار من باتفاق النحويين في قولهم : بكم درهم اشتريت ثوبك؟ قيل له إنما جاز إضمار من هنا لدخول الباء في كم ؛ لأنهم استثقلوا إحاطة حرفين خافضين (٤) باسم ، والمعنى لا يشكل وقوّى من في هذا الكلام فكان قوة معناها في قولهم : بكم درهم ، عوضا منها.
__________________
(١) للتفصيل انظر : الجمل في النحو للزجّاجي ٣١١ ، وكتاب حروف المعاني للزجّاجي ٣ ـ ٥ والمغني ٣٠٢ ـ ٣٠٦.
(٢) في الأصل : فلم ، وقد أثبتت المناسب.
(٣) سبق هذا الشاهد ٧٧.
(٤) في الأصل خافظين.