الاحتياط والتّوقّف قطعا من أيّ جهة؟ وما وجهه؟
مع أنّا قد حقّقنا أنّه لا مناص عن العمل بالظنّ ، وأنّ ظنّ المجتهد ممّا لا مناص عن العمل به ، وبيّنا ذلك في مباحث أخبار الآحاد بما لا مزيد عليه ، وسنبيّنه أيضا فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ومنها : أنّ البديهة حاكمة بوجوب العمل بأوامر الشّرع ونواهيه ، ومن علم العلوم العربية فهو ممّن يفهم الأوامر والنّواهي ، فالحكم عليه بوجوب التّقليد المنهيّ عنه بمجرّد جهله بمسائل الأصول ممّا لا دليل عليه ، بل لا عذر له في التّقليد ، وليس مثله مع التّقليد إلّا مثل شخص حكّمه ملك على ناحية وعهد إليه أنّه متى أخبره ثقة بأنّ الملك امرك بكذا ونهاك عن كذا فعليك بالطّاعة والعمل بالأمر والنّهي ، وبيّن له المخلص عند تعارض الأخبار ، فهو يترك العمل بما سمع من الأوامر والنّواهي من الثّقات معلّلا بجهله بمسائل الأصول والمنطق ، فإنّ استحقاقه للذمّ حينئذ ممّا لا ريب فيه.
أقول : دعوى بداهة وجوب العمل بالأوامر والنّواهي علينا مع عدم تجويزهم العمل بظواهر الكتاب ، والنّزاع العظيم بين العلماء في حجّية أخبار الآحاد ، ودعوى جماعة من الفحول الإجماع على عدم الجواز غريب.
وما ذكره إنّما يتمّ لو ثبت كون ما ورد في الأخبار ، أمر الشّارع لا غيره ، ومتوجّها إلينا لا الحاضرين ، وغاية ما يمكن دعوى الظنّ بكونه أمر الشّارع ، وستعلم ضعف ما يدّعونه من قطعيّة أخبارنا بما لا مزيد عليه ، مع أنّ من يفهم العربيّ إنّما يفهم من هذه الأخبار ما هو موافق لعرفه واصطلاحه ، لا ما يفهمه المخاطبون بتلك الخطابات ، وإنّما الحجّة هو ما أراده المعصوم عليهالسلام وفهمه منه المخاطبون الّذين وافق اصطلاحهم له عليهالسلام. وفهم مرادهم لا يتمّ إلّا بمعرفة كثير