بإرادة الإيمان اللّساني من الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وجعلوا الأحكام المذكورة في الشّرع لمن يحكم عليه بالارتداد في ظاهر الشّرع. فكما أنّه يحكم عليه بالإيمان بإظهاره ، وإن لم يكن مؤمنا في الواقع ، فكذلك يحكم بالارتداد بما يوجبه ، وإن لم يكن في الأصل مؤمنا ، بل وإن بقي على إيمانه الواقعيّ أيضا عند الله تعالى عقوبة لهتك حرمة الشّرع.
والتّحقيق ، إمكان زوال الإيمان ، إمّا بالجحود مع اليقين ، كما وقع من أبي جهل وأضرابه ، وقد أشرنا إليه سابقا ، وإمّا بسبب طروّ الشّبهة ، لعدم كون جزمه في الدّين بعنوان حقّ اليقين ، وقد بيّنّا أنّه لا ينحصر الإيمان فيه ، بل ولا يمكن حصوله عادة إلّا للمعصومين عليهمالسلام ، والأوحديّ من المؤمنين الكمّل ، الذي لا يسمح الزّمان بمثله إلّا في غاية النّدرة ، بل يحصل بما تطمئنّ به النّفس سيّما إذا لم يكن عنده احتمال النّقيض ، وإيمان أغلب النّاس مبنيّ على ذلك ، والأخبار الواردة في المعارين والمستودعين كلّها شاهد عليه ، وكذلك ما ورد في الأدعية من الاستعاذة بالله من مضلّات الفتن ، فإنّ ذلك من المعصومين عليهمالسلام إن لم يكن بعنوان الحقيقة فلا ريب أنّ مرادهم تعليم سائر المؤمنين ، ولا معنى له مع عدم الإمكان.
والحاصل ، أنّا قد بيّنا أنّ للإيمان مراتب أو معاني متعدّدة ، والنّاس مختلفون فيها وكلّهم مؤمنون. وما ورد في الآيات والأخبار الدالّة على زواله ، واردة على نفس الأمر لا على مجرّد من يحكم بإيمانه ظاهرا ، ولا داعي الى تأويله ، فإذا لم يقم البرهان على اشتراط حقّ اليقين في إيمان كلّ النّاس ، فهذه الظّواهر كلّها دليل على كفاية مجرّد اطمئنان النّفس فيها ، وإلّا لم يتحقّق الزّوال ولم يثبت مصداق لهذه الآيات والأخبار.
ومناط الاستدلال بأخبار المعارين والمستودعين أنّهم عليهمالسلام كانوا يعاملون معهم