عليه ، وكذلك المكاتيب والمراسيل الواردة من البلاد البعيدة ، سيّما مع مخالفة لسان المكتوب مع المكتوب إليه ، فإنّه لا ريب في جواز العمل للمدرّسين في التّأليفات والمتعلّمين والمتأمّلين فيها وحملها على مقتضى ما يفهمونه بقدر طاقتهم ، وكذلك المكتوب إليهم المكاتيب ، وهو ممنوع ، سيّما فيما اشتمل على الأحكام الفرعيّة ، إذ الظّاهر منها إلقاء الأحكام بين الأمّة وقتئذ وإعلام المخاطبين بالشّرائع وإعلانها بينهم.
وذلك لا ينافي قصد عمل الآتين بعدهم ولو بعد ألف سنة بذلك ، لأجل حصول الطّريقة واستقرار الشّريعة بعمل الحاضرين ومزاولتهم ونقلهم الى خلفهم يدا عن يد.
ولا ينافي ذلك أيضا تعلّق الفرض ببقائه أبد الدّهر ، لحصول الإعجاز وسائر الفوائد ، إذ ذلك يحصل بملاحظة البلاغة والأسلوب وسائر الحكم المستفادة منها ، مع قطع النّظر عن الأحكام الفرعيّة الظّاهرية التي هي قطرة من بحار فوائده. فإثبات أن يكون الكتاب العزيز من باب تأليف المصنّفين ، سيّما الأحكام الفرعيّة ، بأن يكون الغرض من الآيات الواردة فيها بقاء تلك الألفاظ ، واستفادة كلّ من يجيء بعد ذلك من تلك الألفاظ على مقتضى فهمه بظنّه ولو لم يكن موافقا لمراده تعالى أيضا ، سيّما بعنوان القطع والجزم ، وإدّعاء أنّا نعلم أنّه تعالى أراد ذلك ؛ يحتاج الى دليل واضح ، بل الإنصاف أنّا إن لم ندّع العلم بأنّ الله تعالى لم يرد من الآيات هذا المعنى ، فلا أقلّ من الظّهور في العدم أو تساوي الاحتمالين ، فكيف يدّعى العلم بأنّ مراد الله تعالى من إنزال قوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ)(١) ان يبقي هذه اللّفظة.
__________________
(١) النساء : ١٢.