ولكن في غير الظنّ الحاصل من الآية.
ففيه : أنّ لغير هذا الظنّ أيضا عرضا عريضا قد أخرج منه ألف ظنّ ، كالبيّنة والإقرار واليد وغير ذلك ، فلم يبق ما يمكن فيه دعوى القطع إلّا مثل القياس ، ونحن نقول به أيضا ، ولا ينفعك فيما رمته.
فإن قلت : إنّ الإجماع إنّما هو على حجّية جميع مقتضيات الظّواهر حتّى المستفاد من الآيات الدالّة على حرمة العمل بالظنّ ، لكن في غير ظاهر القرآن ونظائره ، يعني وقع الإجماع على أنّ كلّ الظّنون الحاصلة من القرآن واجب العمل غير الظنّ الحاصل منه بمثل حرمة العمل بالظنّ الحاصل من القرآن.
قلت : بعد تسليم صحّة هذه الدّعوى يرجع هذه الى دعوى الإجماع على حرمة بعض المظنونات دون بعض ، لا على وجوب العمل على الظّواهر الدّالّ بعضها على حرمة العمل بالظنّ ، إلّا الظنّ الفلاني ، وليس هذا من باب إثبات حجّية العامّ بالإجماع إلّا ما أخرجه الدّليل حتّى ينفعك في مقام إثبات حجّية الظّنون الحاصلة من القرآن ، بل من باب إثبات حجّية بعض المظنونات بالإجماع ، وهو ما حصل من سائر الظّواهر وبعض مدلول ما دلّ على حرمة العمل بظاهر القرآن ، وهو غير حرمة الظنّ الحاصل من القرآن الدّاخل في آيات تحريم العمل بالظنّ ونحوه.
وبعبارة أخرى : هذا إجماع على بعض مدلول آيات تحريم العمل بالظنّ ، وهو حرمة العمل على غير الظنّ الحاصل من القرآن ونحوه ، وهذا البعض ليس بظاهر هذه الآية حتّى نقول : إنّه من الظّواهر التي تثبت حجّيتها بالإجماع.
فإن قلت : إنّ الاجماع انعقد على أنّ الأصل جواز العمل بما يحصل الظنّ به من الكتاب مطلقا ، فالإجماع إنّما هو على جعل الحجّة هو الظن الحاصل من الكتاب ما لم يثبت المخرج عنه.