ترتيب طبيعيّ وعدم علمهم بأنّ علمهم ناشئ عن ذلك ، ولم يناقش أحد معهم في أنّه كيف حصل لك العلم مع أنّك لا تعرف المنطق.
ورابعا : نقول : إنّ البعرة بمعنى جلّة البعير ، ولجلّة البعير إطلاقان ، مثل حبّ الرّمان ، فإنّه قد يطلق حبّ الرّمان ويراد هذا النّوع من الحبّ المقابل لحبّ العنب من دون ملاحظة إضافيّة إلى الرّمّان وأنّه انفصل من رمّان خاصّ ، وقد يطلق ويراد أنّ هذا حبّ خرج من الرّمّان ، فيلاحظ الإضافة ، ويتّضح هذا بإضافته الى المخاطب ، فعلى الأوّل لا يستلزم الإضافة كون المخاطب مالكا لرمّان ، بخلاف الآخر ، ففي الإطلاقين كليهما نوع انتقال من حبّ الرّمّان الى الرّمّان ، ولكنّ الانتقال في الأوّل تبعيّ وفي الآخر مقصود بالدلالة.
ومراد الأعرابيّ في الاستدلال هو الانتقال بالمعنى الثّاني لكن من حيث المضاف لا الإضافة ، فقد يحصل الانتقال من الحبّ الى الرّمّان ، وقد يحصل الانتقال من حبّ الرّمّان الى الرّمّان ، وكذلك حال الجلّة ، ومراد الأعرابيّ الانتقال من الجلّة الى البعير لا من جلّة البعير الى البعير ، فلعلّ توهّم المتوهّم مبنيّ على أنّ الأعرابيّ انتقل من جلّة البعير بالمعنى العلميّ الى البعير ، وقال : إنّه بديهيّ ، يعني إذا رأى جلّة البعير من يعرفها ، فيحصل له فورا استحضار أنّه جلّة ، لا حجر ولا مدر ، وأنّه جلّة البعير لا جلّة الغنم ، وهذا المعنى غير ما هو مراد الأعرابيّ ، إذ مراده أنّ وجود جلّة البعير يمكن أن يستدلّ به على وجود بعير صدر هذه منه ، وأنّ هذه الجلّة لم يتحصّل بذاتها ولم يوجد من قبل نفسها ، لا أنّ هذه جلّة بعير لا جلّة غنم بالمعنى العلميّ ، فليفهم ذلك.