وحاصله ، أنّ الخبر إمّا مطابق للواقع أو لا ، وكلّ منهما إمّا مع اعتقاد المطابقة أو اعتقاد عدمها ، أو الشكّ أو عدم الشّعور. والصدق هو المطابقة مع اعتقاد المطابقة ، والكذب هو المخالفة مع اعتقاد المخالفة ، والسّت البواقي وسائط بينهما.
واستدلّ على ثبوت الواسطة بقوله تعالى : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ.)(١) فإنّ الكفّار حصروا إخبار النبيّ صلىاللهعليهوآله عن الحشر والنشر ، أو عن نبوّته صلىاللهعليهوآله في الافتراء ، وهو الكذب ، والإخبار حال الجنّة على سبيل منع الخلوّ (٢) كما هو ظاهر مفاد كلمة أم ، والهمزة.
ولا بدّ أن يكون المراد من الثاني غير الكذب ، لاقتضاء الترديد مغايرته معه وغير الصّدق لاعتقادهم عدمه ، ولعدم دلالة قولهم : (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) على إرادة ذلك ، فلا بدّ أن يكون هناك واسطة يحمل عليها قولهم ، لأنّهم عقلاء من أهل اللّسان ، وعارفون باللّغة ، وكون الخبر صادقا في نفس الأمر لا ينافي كونه واسطة بينهما على زعمهم.
والحاصل ، أنّهم اعتقدوا أنّ هذا الخبر خبر ، وليس من قسم الصّدق ، ولا من قسم الكذب ، بل هو شيء ثالث ، وخطأهم في أنّه شيء ثالث ، لا ينفي صحّة إطلاقهم الخبر على شيء ثالث ، وإطلاقهم دليل على صحّة الإطلاق عليه.
واجيب (٣) : بأنّ الترديد بين الافتراء وعدم الافتراء. والافتراء هو الكذب عن عمد ، ولا عمد للمجنون ، فهذا ترديد بين نوعي الكذب.
وتوضيحه : أنّ القصد (٤) إمّا داخل في مفهوم الافتراء أو هو المتبادر من
__________________
(١) سبأ : ٨.
(٢) كما ذكره التفتازاني. راجع «شرح المختصر» ص ١٨ ـ ١٩.
(٣) راجع «الرعاية» ص ٥٦ للشهيد الثاني ، و «شرح المختصر» ص ١٧.
(٤) بمعنى العمد.