وثالثها : أنّه راجع إلى لازم فائدة الخبر ، وهو كونهم عالمين بذلك معتقدين له.
ورابعها : أنّ المنافقين قوم متّسمون بالكذب ، وهو عادتهم وسجيّتهم ، فلا تغترّ بشهادتهم ، ولا تعتمد عليهم ، فإنّ الكذوب قد يصدق.
وخامسها : أنّهم كاذبون في تسميته شهادة ؛ لاشتراط مواطاة القلب واللّسان في مفهوم الشّهادة.
وتوجيهه : أنّ تسميتهم كأنّه إخبار بأنّ ذلك شهادة ، فيؤول التسمية إلى الخبر ، وإلّا فالتسمية ليست بخبر. وربّما يمنع اشتراط المواطاة في مفهوم الشهادة.
وسادسها : أنّه على فرض تسليم رجوع التكذيب إلى قولهم : (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ)(١). فالمراد أنّهم كاذبون في اعتقادهم الفاسد لأنّهم يعتقدون أنّ هذا غير مطابق للواقع.
وسابعها : أنّه راجع إلى حلفهم على أنّهم لم يقولوا : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ،)(٢) ولم يقولوا : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ). (٣)
وذهب الجاحظ (٤) إلى أنّ الصدق مطابقة الواقع ، والاعتقاد والكذب مخالفتهما معا ، وأنّ هناك واسطة.
__________________
(١) المنافقون : ١.
(٢) المنافقون : ٧.
(٣) المنافقون : ٨.
(٤) الجاحظ : أبو عثمان ولد وتوفي بالبصرة ١٦٣ ـ ٢٥٥ ه ، فلج في آخر عمره ، ومات والكتاب على صدره ، قتلته مجلّدات من الكتب وقعت عليه. وهو من علماء الأدب العربي نسبت إليه فرقة الجاحظية وهي احدى فرق المعتزلة ، وله تصانيف كثيرة منها الحيوان في سبعة أجزاء ، والبيان ، والتبيين ، والبخلاء ، والتاج.