ذكر أخلاق أهل مصر
وطبايعهم وأمزجتهم
على سبيل الاختصار
أعلم أن طبائع أهل مصر وأخلاقهم فبعضها شيهها ببعض ، لأن قوي النفس تابعة لمزاج البدن ، فإن أبدانهم سخيفة سريعة التغيير قليلة الصبر والجلد ، وكذلك أخلاقهم [ق ٢١ ب] تقلب عليهم الاستحالة والتنقل من شيء إلى شيء والدعة والجبن ، القنوط والشح وقلة الصبر ، والرغبة في العلم وسرعة الحوف وقلة الغيرة والحسد والكذب والسعى إلي السلطان وذم الناس. وبالجملة فيغلب عليهم الشرور الدنية التي تكون من دناءة النفس وليس هذه الشرور عامة فيهم ولكنها موجودة في أكثرهم ومنهم من خصه الله تعالى بالفضل وحسن الخلق وبرأة من الشرور. ومن أجل توليد أرض مصر الجن والشرور الدنيئة في النفس بأرض مصر لم تسكنها الأسد ، وإذا دخلت ذلت ولم تتناسل ولذلك كلابها أقل جراءة من كلاب غيرها من سائر البلدان ، وكذلك سائر ما فيها أضعف من نظيره في البلدان الأخر ما خلا ما كان منها في طبعه ملائمة لهذا الحال كالحمار والأرنب.
وقال بعض الحكماء فمزاج أرض مصر حار رطب بالرطوبة الفضلية ، وما قرب من الجنوب بأرض مصر كان أسخن وأقل عفنا ، وأما ما كان منها في جهة الشمال ولا سيما من كان في شمال الفسطاط فإن طباعهم أغلظ واليه عليهم أغلب ، وذلك أنهم يستعملون [ق ٢٢ أ] أغذية غليظة جدا ويشربون من الماء الردي ، وأما ما كان بالأسكندرية وتنيس وأمثالها هذه فما قرب من البحر وسكون الحرارة والبرد عندهم وظهور الصبا فيهم ، مما يصلح أمرهم ويرق طباعهم ويرفع هممهم ، ولا يعرض لهم ما يعرض لغيرهم من غلظ الطبع والجمادية ، واحاطة البحر بمدينة تنيس توجب غلبة الرطوبة عليها وما يسر أخلاق أهلها.
وقال بعضهم : لما كانت أرض مصر وبجميع ما فيها سخيفة الأجسام سريعا إليها النفير والعفن وجب على الطبيب أن نختار من الأغذية والأدوية ما كان قريب العهد حديثا ، لأن قوته بعد باقية عليه لم تتغير كل التغير ، وأن يجعل علاجه ملائما لما عليه الأبدان بأرض مصر ويجتهد في أن يجعل ذلك إلى الجهة المضاد أميل وتجنب الأدوية القوية الأسهال وكل ما له قوة مفرطة فإن نكاية هذه الأبدان سريعة لا سيما وأبدان المصريين سريعة الوقوع في النكايات.