ذكر مدينة الفرما
قال الكندى : أعلم أن مدينة الفرما هى أكثر عجائب وأقدم آثار ، ويقال أن كان منها طريق سالكه إلى جزيرة قبرس فى البر فغلب عليها البحر ، وكان بها مقطع الرخام الأبلق المسما بالغرابى ، والرخام الأبيض فغلب عليها الماء.
وقال ابن قديد وجهنى بن المدبر وكان بتنيس إلى مدينة الفرما فى هدم أبواب من حجارة شرقى هذه المدينة ، وكان قد احتاج أن يعمل منها جبرا فلما قلعت [ق ١٨١ أ] منها حجرا والثانى إلى أهل الفرما فى السلاح ومنعوا فى من ذلك ، وقالوا هذه الأبواب التي قال الله تعالى فيها على لسان يعقوب عليه السلام : (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ)(١) وأدخلوا من أبواب متفرقة وكان بها النخل العجيب التى يثمر حين ينقطع البسر والرطب من سائر الدنيا ، وكان وزن كل بسرة منها فوق العشرين درهما ، وفيه ما طول منها نحو الشبر والفتر.
وقال ابن المأمون البطائحى فى حوادث سنة تسع وخمسمائة : وقد وصلت النجانون من والى الشرقية تخبر بأن بلدوين ابن ملك الفرنج وصل إلى أعمال الفرما ومن معه من الجيوش فأمر الأفضل بن أمير الجيوش ابن أحمد بن طولون إلى والى الشرقية بأن يسير هو ومن معه من العربان والرجال من أهل النواحى بأسرهم وأن يهجموا على الفرنج بالليل قبل وصول العساكر إليهم ، فاعتمد ذلك ، وأمر باخراج العربان وغيرهم من الناس ، فلما وصلوا إلى ابن ملك الفرنج وتحاربوا معه فعند ذلك تحقق ابن ملك الفرنج أن [ق ١٨١ ب] الإقامة لا تمكنه فأمر عساكره أن ينهبوا البلد ويحرقوها ويهدموا مساجدها ويسبوا أهلها فعند ذلك أذن الله سبحانه وتعالى بقضى روح بلدوين ابن ملك الفرنج وتعجيله إلى النار فكتموا أصحابه موته وشقوا بطنه وملؤه ملحا حتى لا ينتن وساروا به إلى بلاده ، وكفا الله المؤمنين القتال.
__________________
(١) سقطت من الناسخ.