عنده ، وأراد الله هلاكه وأن يلحقه بصاحبه فرعون ، قال : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)(١) قال : خرج راكبا على برذون أشهب (٢) ، عليه الأرجوان على سرج مقدمه ذهب ومؤخره ذهب ، مكلّل بالدّرّ والياقوت ، وأخرج معه أربعمائة جارية ، عليهن الأرجوان في عنق كلّ واحدة منهن طوق من ذهب ، عليهن الخفاف البيض ، على بغال شهب ، عليها سروج الذهب والفضة ، ومياثر الأرجوان ، وأخرج أربعمائة غلام على أربعمائة دابة دهم ، وكانت عليها سروج الذهب والفضة ، عليهم ثياب الأرجوان والخفاف ، ثم أظهر ابن له ، فحملته الرجال أمامه ، وأظهر كنوزه من الدنانير والدراهم ، وكانت عامّة كنوزه الدنانير ، فوضعها على عواتق الرجال ، ثم خرج يسير في محلة بني إسرائيل.
قال قوم من بني إسرائيل وهم الذين وصفهم الله في كتابه : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ)(٣) من الأموال ، (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) يعني : إنه لذو حظ واف من الدنيا ، (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(٤) من بني إسرائيل للذين تمنّوا مثل ما أعطي قارون : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) يعني : طاعة الله ، والصبر عليه خير بما أعطي قارون ، وما يلقّاها يعني : وما يعطاها إلّا الصابرون ، فقيل لموسى : هذا قارون قد أقبل يتباهى بأمواله ، فأقبل موسى وهو شديد الغضب عليه ، حنقا حين انصرف إليه بنو إسرائيل الذين وعظوه ، وأخبروه بما له حظ إن فعل من الإحسان فيما أعطاه الله ، قال ابن سمعان : إنّهم قالوا لقارون : انظر لما أعطاك الله فاقسمه في فقراء قومك ، وأهل بيتك. قال قارون : يعينون بذلك موسى وهارون ، وهما أقرب بني إسرائيل إلى مال جمعته على علم عندي من صنعة الذهب؟ والله لا أفعل ، فلمّا سمع ذلك موسى كبر عليه ، وظنّ موسى أنّما ظنّ قارون أنّي طمعت في ماله ، فخرج موسى حين قال له هذا قارون قد أقبل. فقال موسى : اللهم إنّي أسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أن تأمر الأرض أن تطيعني ، فأوحى الله إلى الأرض أن أطيعي عبدي موسى ، فقالت الأرض : ـ وأنطقها الله ـ : يا موسى مرني فأطيعك ، قال : خذي قارون ومن معه ، قال : فأخذت قارون ومن معه من الغلمان والجواري (٥) ، وتركت أموالهم ودوابّهم. فقيل لقارون : هذا موسى قد دعا عليك ـ وهو يسيخ في الأرض ـ فنادى قارون : يا موسى ، أنا ابن عمّك فارحمني ، قال
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٧٩.
(٢) في الطبري : براذين بيض.
(٣) سورة القصص ، الآية : ٧٩.
(٤) سورة القصص ، الآية : ٨٠.
(٥) في قول بعضهم أنهم كانوا سبعين ألفا (راجع تاريخ الطبري ١ / ٤٤٦).