نبات (١) الأرض شيئا فمضغه ، فقال له ربه حين أتاه : لم أفطرت؟ وهو أعلم بالذي كان ، قال : يا ربّ ، إنّي كرهت أن أكلمك إلّا وفمي طيب الريح ، قال : وما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك؟ حتى (٢) يصوم عشرا ثم ائتني (٣) ، ففعل موسى ما أمر به ، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم للأجل ساءهم ذلك ، وكان هارون قد خطبهم فقال : إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عوار وودائع (٤) ولكم فيهم مثل ذلك ، وإني أرى أن تخمّسوا (٥) ما لكم عندهم ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا عارية ، ولسنا برادّي إليهم شيئا من ذلك ، ولا ممسكيه لأنفسنا فحفر حفيرا ، وأمر كلّ من عنده شيء من ذلك من متاع أو حلية أن يدفنوه في تلك الحفيرة ، ثم أوقد عليه النار فأحرقه ، فقال : لا يكون لا لنا ولا لهم.
وكان السامريّ من قوم يعبدون البقر ، [جير](٦) ان لهم ، ولم يكن من بني إسرائيل ، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوه ، فقضى له أن رأى أثر الرسول ، فأخذ منه قبضة فمرّ بهارون فقال له هارون : يا سامري ، ألا تلقي ما في يدك؟ وهو قابض عليه ، لا يراه أحد طوال ذلك ، فقال : هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر ، فلا ألقيها لشيء إلّا أن تدعو الله إذا ألقيتها ما أريد أن يكون ، فألقاها ودعا له هارون فقال : أريد أن يكون عجلا ، فاجتمع ما كان في الحفيرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد فصار عجلا أجوف ، ليس فيه روح ، له خوار.
قال ابن عباس : لا والله ما كان له صوت قط ، إنّما كان الريح يدخل من دبره ويخرج من فيه ، وكان ذلك الصوت من ذلك ، فتفرق بنو إسرائيل فرقا ، فقالت فرقة : يا سامريّ ما هذا فأنت أعلم به؟ قال : هذا ربكم ، ولكن موسى ضلّ الطريق ، فقالت فرقة : لا نكذب بهذا (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(٧) ، فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه ولا عجزنا عنه حين رأيناه ، وإن
__________________
(١) قيل إنه عود من خرنوب.
(٢) كذا بالأصل وم ود ، وفي البداية والنهاية : ارجع فصم عشرا.
(٣) الأصل وم ود : أسر ، والمثبت عن البداية والنهاية.
(٤) كان بنو إسرائيل قد استعاروا حلي وزينة من آل فرعون ليلة خروجهم من مصر بحجة التزين بها في عيد لهم ، ـ عيد الزينة ـ.
(٥) الأصل وم ود : «يحبسوا» وفي البداية والنهاية : تحتسبوا والمثبت عن المختصر.
(٦) مكانها بياض بالأصل وم ، والزيادة عن د ، والبداية والنهاية.
(٧) سورة طه ، الآية : ٩١.