أمرهم على ذلك ، فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية أمه (١) ، فلما كان من قابل حملت بموسى ، فوقع في قلبها الهمّ والحزن ، وذلك من الفتون يا ابن جبير ما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به فأوحى الله إليها : لا تخافي ولا تحزني إنّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ، وأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت ثم تلقيه في البحر ، فلما ولدته فعلت ذلك به ، فلما توارى عنها ابنها ناجاها (٢) الشيطان ، فقالت في نفسها : ما فعلت بابني ، لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحبّ إليّ من أن ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابّه ، فانتهى الماء به حتى أوفى به عند فرضة (٣) مستقى جواري امرأة فرعون ، فلما رأينه أخذنه فهممن أن يفتحن التابوت فقال بعضهن (٤) : إنّ في هذا مالا ، وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه ، فحملنه كهيئته لم يحركن (٥) منه شيئا حتى دفعنه إليها ، فلمّا فتحته رأت غلاما ، فألقى الله عليه منه (٦) محبة لم يلق مثلها على أحد من البشر ، و (أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً)(٧) من ذكر كل شيء إلّا [من](٨) ذكر موسى ، فلما سمع الذبّاحون بأمره أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه ، وذلك من الفتون يا ابن جبير ، فقالت لهم : أقروه فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل حتى آتي فرعون ، فاستوهبته منه ، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمر بذبحه لم ألمكم ، فأتت فرعون فقالت : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ)(٩) ، قال فرعون : يكون لك ، فأمّا أنا فلا حاجة لي في ذلك ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نحلف به لو أقرّ فرعون بأن يكون له قرّة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها ، ولكن الله حرمه ذلك» [١٢٥٤٢] ، فأرسلت إلى من حولها ، لكل امرأة لها لبن تختار له ظئرا فجعل كلما أخذ ثدي امرأة منهن ليرضعه لم يقبل ثديها ، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع عن اللبن فيموت ، وأحزنها ذلك ، وأمرت به ، فأخرج إلى السوق وتجمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا تأخذه منها ، فلم يقبل ، فأصبحت أم موسى والها ، فقالت (لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) قصّي أثره واطلبيه
__________________
(١) في البداية والنهاية : آمنة.
(٢) البداية والنهاية : أتاها.
(٣) الفرضة : ثلمة تكون في النهر ، وفرضة النهر : مشرب الماء منه (راجع اللسان : فرض).
(٤) عن البداية والنهاية ، وبالأصل وم ، ود : بعضهم.
(٥) الأصل وم ، ود ، وفي البداية والنهاية : يخرجن.
(٦) البداية والنهاية : منها.
(٧) سورة القصص ، الآية : ١٠.
(٨) زيادة عن البداية والنهاية.
(٩) سورة القصص ، الآية : ٩.