يقول بنو إسرائيل ، وما قد كربهم ، وما قد نزل بهم من سوء الظن ، فأسألك يا إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف ، فرّج عنا هذا الكرب ، ونجّنا من فرعون ، وأبدل لنا مكان الخوف أمنا كي نسبّحك كثيرا ، ونعبدك حق عبادتك.
واختلط خيل فرعون بخيل موسى ، وخرج فرعون معلما على فرس ، له حصان ، وكانت لحيته تغطي قربوس سرجه ، ولمّته من خلفه تغطي مؤخر سرجه ، وعليه درع من ذهب ، قد علاه بالأرجوان ، قال : فلما رأى ذلك الله عزوجل مما دخل في قلب موسى وقلوب بني إسرائيل أوحى الله إلى موسى : إنّي قد أذنت للبحر أن يطيعك ، فاضرب (بِعَصاكَ الْبَحْرَ)(١) قال : فضرب موسى البحر ، (فَانْفَلَقَ) اثنا عشر طريقا ، ودعا موسى أصحابه وقال لهم : هلموا فثم ثمّ قال : اللهم اجعل هذا البحر غضبا ورجزا (٢) ونقمة على فرعون وقومه ، ونجّنا جميعا ، فإنّا جندك ، ونحن أهل الذنوب والخطايا ، قال : فصار البحر كما قال الله اثني عشر طريقا يابسا ، وهو كما قال : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً)(٣) يعني سهلا دمثا ، لا تخاف دركا من فرعون وجنوده ، ولا تخشى البحر يغرقك ومن معك.
قال : فلما كان البحر (كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)(٤) كلّ فرقة منه يعني كالجبل العظيم ، وتفرّق الماء يمينا وشمالا ، وبدت الأرض يابسا ، فقالت بنو إسرائيل : إنّا نخاف أن يغرق بعضنا ولا يراه إخوانه ، غير أنّا نحبّ أن يكون البحر أبوابا ، ليرى بعضنا بعضا ، قال : فصار لهم أبوابا ينظر بعضهم إلى بعض ، وكان طول الطريق فرسخين ، وعرضه فرسخا ، فاتبعه فرعون بجنوده.
قال : وأنا إسحاق ، أنا محمّد بن إسحاق قال : سمعت من حدّثني عن محمّد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد قال (٥) :
لما جاز بنو إسرائيل البحر ولم يبق منهم أحد بقي البحر على حاله (٦) ، وأقبل فرعون عدو الله على حصان من دهم الخيل ، ووقف على شفير البحر ، والبحر رهوا ساكنا على
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية : ٦٣.
(٢) الأصل وم ، ود : وزجرا ، والمثبت عن المختصر.
(٣) سورة الدخان ، الآية : ٢٤.
(٤) سورة الشعراء ، الآية : ٦٣.
(٥) راجع تاريخ الطبري ١ / ٤٢٠ ـ ٤٢١ والكامل لابن الأثير ١ / ١٣٧.
(٦) أي ساكنا على هيئته لم يتغير.