خرج موسى حتى انتهى إلى البحر ، فلمّا انتهى إلى البحر ـ وهو بحر القلزم ـ لم يكن له عنه منصرف (١) ، قال : واطّلع عليهم فرعون في جنوده من خلفهم والبحر أمامهم ، فظن بنو إسرائيل الظنون ، وجعلوا يلومون موسى بقول الله ، (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ)(٢) يعني : الفريقان (٣) ، قال : جند فرعون وأصحاب موسى (قالَ أَصْحابُ مُوسى : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قالَ : كَلَّا ، إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٤) يقول وعدني وسينجز وعدي ، ولا خلف لموعد الله ، قال : فقالت بنو إسرائيل لموسى : لم تدعنا بأرض مصر ، أرض طيبة ، نعيش فيها ونخدم فرعون وقومه ، ولم نر هذا البلاء ، هذا البحر أمامنا ، وفرعون وجنوده من خلفنا ، إن ظفر بنا قتلنا ، وإن اقتحمنا في البحر غرقنا ، لقد لقينا في سبيلك بلاء وشدّة.
قال : وأنا إسحاق ، أنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال :
إنّ موسى لما رأى ذلك من قومه وما يتضرعون ويستغفرون من ذنوبهم ويقولون : يا موسى سل لنا ربك يضرب لنا (طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً)(٥) فقد وعدنا لذلك بمصر ، فاتّبعناك ، وصدّقناك ، وهذا فرعون وجنوده قد دنا منك ، قال : فانطلق موسى نحو البحر ، فقال : إنّ الله أمرني أن أسلك فيك طريقا ، وضرب بعصاه البحر قبل أن يوحى إليه ، فأنطق الله البحر ، فقال له : يا موسى ، أنا أعظم منك سلطانا ، وأشدّ منك قوة ، وأنا أوّل منك خلقا ، وعليّ كان عرش ربنا ، وأنا لا يدرك قعري ، ولا أترك أحدا يمرّ بي إلا بإذن ربّي ، وأنا عبد مأمور ، لم يوح الله إليّ فيك (٦) شيئا ، ودنا فرعون وجنوده ، فجاء موسى إلى قومه راجعا ، فأيس (٧) القوم ، فأتاه حزبيل بن يوحابيل المؤمن (٨) فقال له : يا موسى ، يا نبي الله ، أليس وعدك الله البحر؟ قال : نعم ، قال : فلن يخلفك ، فناج ربك ، قال : فبينما هو كذلك إذ جاءه خازن البحر ، فسلّم عليه ، فقال له : يا موسى ، أتعرفني؟ قال : لا ، قال : أنا خازن البحار (٩) ، قال : فما أوحى الله إليك في أمر فرعون شيئا؟ قال : يا موسى ، والله إني لخامس خمسة من خزّان الله ، والله ما أدري ما الله صانع بعد فرعون ، ولقد خفي عليّ أمره ، وإنّ الله وعدك وهو منجز ذلك ، فتضرّع إلى ربك ، قال : فلمّا سمع ذلك موسى تضرّع إلى الله ، فقال : يا رب ، قد ترى ما
__________________
(١) في المختصر : مصرف.
(٢) سورة الشعراء ، الآية : ٦١.
(٣) كذا بالأصل وم ، ود ، والوجه : الفريقين.
(٤) سورة الشعراء ، الآية : ٦١ ـ ٦٢.
(٥) سورة طه ، الآية : ٧٧.
(٦) كذا بالأصل وم ود ، وفي المختصر : قبل.
(٧) بالأصل : فأنس ، والمثبت عن م ، ود.
(٨) انظر ما تقدم بشأنه قريبا.
(٩) في المختصر : خازن البحر.