بعضا ، وجعل أهل المدينة لا يستطيعون أن يأكلوا طعاما من نتن الضفادع.
قال : وأنا ابن إسحاق ، أنا سعيد بن سالم القداح ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : وأنا ابن سنان عن من يخبره عن مجاهد قال : كانت الضفادع لتسكن الجحرة (١) فلمّا أرسلها الله عذابا على فرعون وقومه فكانت تجيء حتى تقذف نفسها في التنور المسجور ، وفي القدور ، وهي تغلي تغضبا لله ، فشكر الله لها ، فأسكنها الماء ، وجعل نعيقها التسبيح (٢).
قال : وأنا إسحاق ، أنا أبو إلياس عن وهب بن منبّه قال : لما أذاهم ـ يعني ـ آل فرعون القذر والنتن وأجهدهم البلاء الذي أصابهم من الضفادع صرخوا إلى فرعون ، فأرسل فرعون إلى موسى ، فأتاه فقال : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ، ادْعُ لَنا رَبَّكَ)(٣) يرفع عنا هذا الرجز فنؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، قال موسى : لو لا الحجّة والعذر الذي وضعه الله بيني وبينك ما فعلت ، قال : فدعا ربه ، فماتت الضفادع ، فجعلوا يكنسونها من بيوتهم ودورهم وأفنيتهم ثم ينقلونها إلى باب المدينة حتى جعلت ركاما ثم أرسل الله عليهم مطرا وابلا فسال بالضفادع فألقاها في البحر ، فلمّا كشف الله عنهم الضفادع قالوا : ما فعل هذا إلّا سحره ، ولو صبرنا كانت تموت الضفادع ، فنكثوا وقالوا : يا موسى ، لن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل ، قال : فلمّا نكثوا أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك النيل ـ وهو النهر الذي يشرب به أهل مصر ـ ففعل موسى ، فتحوّل النيل دما عبيطا ، يرده بنو إسرائيل فيشربون ماء عذبا صافيا ، ويرده قوم فرعون فتختضب بها أيديهم دما ، فجرت أنهارهم دما وصارت ركاياهم دما ، فلم يقدر أحد منهم على ماء يشربه ، وكانوا لا يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء إلّا صار دما (٤).
قال : وأنا إسحاق ، قال : وأخبرني محمّد بن إسحاق ، حدّثني من لا أتّهم أن المرأة من آل فرعون كان تخرج إلى المرأة من بني إسرائيل حين أجهدها العطش فتقول لها : اسقيني من مائك فإنّي قد هلكت عطشا ، قال : فترحمها فتغرف لها من جرّتها أو قربتها قال : فتعود الماء
__________________
(١) الجحرة جمع جحر.
(٢) كذا بالأصل ود ، وم ، وفي المختصر : النشيج.
(٣) سورة الزخرف ، الآية : ٤٩.
(٤) هذا من تمام المعجزة الباهرة والحجة القاطعة ، وهذا كله يحصل لهم من فعل موسى عليهالسلام فينالهم عن آخرهم ، ولم ينل بني إسرائيل منه شيء بالكلية ، وفي هذا أدل دليل.