موسى وهارون الجبل فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل : أنت قتلته ، وكان أشدّ حبّا لنا منك ، وألين لنا منك ، فآذوه بذلك ، فأمر الله الملائكة فحملوه حتى مروا به على بني إسرائيل ، وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات ، فانطلقوا به فدفنوه ، فلم يطلع على قبره أحمد من خلق الله إلّا الرّخم ، فجعله الله أصم أبكم].
أنبأنا أبو الوحش سبيع بن المسلم ، وأبو تراب حيدرة بن أحمد ، قالا : نا أبو بكر الخطيب ، أنا ابن رزقويه ، أنا ابن سندي ، أنا الحسن بن علي ، نا إسماعيل بن عيسى ، نا أبو حذيفة إسحاق بن بشر ، عن جويبر ، عن أبي سهل ، عن الحسن أنه قال :
إن موسى لما حضره الوفاة كان جالسا يقضي بين بني إسرائيل إذ نظر إلى رجل بينهم أنكره ، فاشرأبّ مكانه ، فلما رآه قام فدخل على أمه حبورا فقالت له : يا بني إنّ هذه الساعة ما كنت تقومها فما الذي أعجلك؟ وكان نبي الله موسى إذا رأى شيئا من بني إسرائيل يكرهه دخل على أمّه فأخبرها فقالت : هل رأيت شيئا من بني إسرائيل تكرهه؟ قال : لا ، ولكن رأيت رجلا أنكرته فجعلت أنظر إليه فأراه على حاله ، فقمت ، فقالت : وما الذي ظننت؟ قال : ملك الموت جاءني يقبضني ، فقالت : يا بني ، أفلا حقّقت ذلك؟ قال : ما فعلت ، قال : فخرج موسى فوجده على بابه ، فقال : من أنت يا عبد الله؟ قال : أنا ملك الموت بعثت إليك لأقبض روحك ، وأمرت بطاعتك في نفسك ، فقال : فهل تراجع الله فيّ؟ قال : نعم إن شئت ، قال : ثم مه؟ قال : ثم الموت.
قال : وأنا إسحاق ، عن إسماعيل بن عيّاش الحمصي ، قال : سمعت من حدّثني عن مكحول أن ملك الموت راجع ربه في موسى فقال الله : قل لموسى ، إن شئت أمهلتك عدد النجوم في السماء ، وإن شئت فاضرب بيديك على مسك ثور فما وارتا من شعره عددتها فأحييت بعددها سنينا ، قال : فجاءه ملك الموت ، فأبلغه ، فقال له موسى : ثم مه؟ قال : ثم الموت ، قال : ما منه بدّ؟ قال : لا ، قال : فامض لما أمرت به ، ولكن دعني فأدخل إلى أمّي فأسلّم عليها ، وعلى زوجتي وولدي فأودعهم ، قال : نعم ، فدخل على أمّه فأكبّ عليها يقبّلها ويقول : يا أمتاه قد كبرت السنّ ودنا الأجل ، وقد أحببت لقاء ربي ، فبكت وبكى ، وأوصاها ، وعزّاها ، وأكبّ على زوجته أصفورا فسلّم عليها ، ثم قال : نعمة (١) الشريكة كنت ، فأوصاها
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، ود ، و «ز» : نعمة.