البعيد الذي لا نقوى عليه على حمل الماء وصنعة الطعام؟ يعول الرجل منا أربعمائة عيّل فأي (١) ماء يسعهم؟ وأي طباخ يوسعهم ، وأي دار تكنهم حتى تبلغهم؟ وأي خباء يسعهم؟ وإنّما معنا (٢) الثياب (٣) والذهب والفضة وليس بيننا وبين الأرض المقدسة مدائن ولا أسواق ، فادع لنا ربك يكفينا مئونة هذا السفر (٤) ، فقيل لهم : أما ما سألتم من الطعام ، فإنّ الله يمطر لكم السماء بالمنّ ـ الخبز المخبوز ، طعمه كطعم الخبز المأدوم بالسمن والعسل ـ ومسخّر لكم الريح فتنسف لكم طير السلوى فهو سيعلم ما أكلتم ، وأما ما تحتاجون إليه من الماء فيفجر لكم من الحجر ماء [رواء](٥) وحيث نزلتم فيوسعكم لشربكم وطهوركم ، وأما ما أردتم من الكن والظل ، فيسخر لكم الغمام فيظلكم من فوقكم ويكنكم من البرد والحر والريح ، قالوا : يا موسى ، نقيم حتى ترجع إلينا النقباء ، فيخبرونا ، فنرى رأينا ، قال : فأمر موسى النقباء أن يسيروا ، قال : فانطلقوا حتى أتوا الأرض المقدّسة ، قال : وارتحل موسى ومعه بنو إسرائيل ، فكان إذا نزلوا ضرب بعصاه (الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا)(٦)(عَشْرَةَ عَيْناً)(٧) ، فكانت تجري إلى كل سبط عين (٨) تدخل عسكرهم وكانت السماء تمطر عليهم خبز المن ، [مثل خبز الماء](٩) طعمه طعم الخبز المأدوم بالسمن والعسل ، وتنسف عليهم الريح طير السلوى ، وتذري ريشه عنهم فيصير مصفّى ليس فيه ريش ، فيصبح في العسكر ركامان عظيمان من خبز وطير ، فيأكلون ويحملون.
قال : وأنا أبو إلياس عن وهب قال :
إن بني إسرائيل لما أيقنوا أن لا يرجعوا إلى مصر ولا يدخلوا الأرض المقدسة فقالوا لموسى : لا بدّ لنا من كتاب نقرؤه وشرائع وأحكام ، قال : فسأل موسى ربه ، فقال له ربه : نعم يا موسى ، فوعده ربه أن يخرج إلى طور سيناء ، وواعده ثلاثين يوما ، قال : واستخلف موسى على قومه هارون وقال : إنّي منصرف إليكم بعد أربعين يوما ، وآتيكم بأحكام وشرائع قال :
__________________
(١) الأصل وم ود : «فأين ما يسعهم».
(٢) الأصل : منعنا ، والمثبت عن د ، وم.
(٣) الأصل وم ود : اكتساب ، والمثبت عن المختصر.
(٤) الأصل وم ود : «السفر» ، وفي المختصر : السعي.
(٥) سقطت من الأصل واستدركت عن م ود ، وفي البداية والنهاية : ماء زلالا.
(٦) الأصل : «اثنتي» وفي م : اثنا.
(٧) سورة البقرة ، الآية : ٦٠.
(٨) الأصل وم ود : «فمتى» والمثبت عن المختصر.
(٩) الزيادة عن م ود.