كبولها (١) ، معهم ملائكة يبشرونهم بنزل من حميم ، وتصلية جحيم ، عن الله محجوبون ، ولأوليائه مفارقون ، وإلى النار منطلقون. عباد الله ، اتقوا الله تقية من كنع (٢) فخنع (٣) ، ووجل فرحل ، وحذر فأبصر فازدجر ، فاحتث (٤) طلبا ، ونجا هربا ، وقدم للمعاد ، واستظهر بالزاد (٥) ، وكفى الله منتقما وبصيرا ، وكفى بالكتاب خصما وحجيجا ، وكفى بالجنة ثوابا ، وكفى بالنار وبالا وعقابا ، وأستغفر الله لي ولكم.
أخرج الدينوري وابن عساكر عن علي رضياللهعنه ، أنه خطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد : فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع ، وإن المضمار اليوم وغدا السباق ، ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل ؛ فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب ، ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة ، ألا وإني لم أر كالجنة نائم طالبها ولم أر كالنار نائم هاربها ، ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل ، ومن لم يستقم به الهدى جار به الضلال ، ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد ، ألا أيها الناس إنما الدنيا عرض حاضر يأكل منها البار والفاجر وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر ، إلا إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ، والله يعدكم مغفرة منه ، وفضلا ، والله واسع عليم. أيها الناس ، أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم ، فإن الله تبارك وتعالى وعد جنته من أطاعه ، ووعد ناره من عصاه ، إنها نار لا يهدأ زفيرها ، ولا يفك أسيرها ، ولا يجيز كسيرها ، حرها شديد ، وقعرها بعيد ، وماؤها صديد ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل. كذا في الكنز (٨ / ٢٢٠) والمنتخب (٦ / ٣٢٤). وذكر ابن كثير في البداية (٨ / ٧) هذه الخطبة بطولها عن وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفى بن دلهم وقال : وفي رواية : فإن اتباع الهوى يصد عن الحق ، وإن طول الأمل ينسي الآخرة.
__________________
(١) قيودها.
(٢) خضع ولان.
(٣) ذل.
(٤) أسرع.
(٥) استعان وانتصر بالزاد الذي قدمه لنفسه عند الله تعالى.