وكان يطعمهم أول ما يطعمهم بمكة قبل التروية بيوم ، ثم بمنى ، وبجمع وعرفة ، يثرد لهم الخبز واللحم ، والخبز والسمن ، والسويق والتمر ، ويحمل لهم الماء ، فيطعمهم ويسقيهم حتى يصدروا.
وكان اسم هاشم عمرا ، ويقال له : عمرو العلا. وإنما سمى هاشما لهشمه الخبز بمكة لقومه ، وهو فيما يذكرون أول من سن الرحلتين لقريش ، رحلة الشتاء والصيف. وفى ذلك يقول بعض شعرائهم :
عمرو العلا هشم الثريد لقومه |
|
قوم بمكة مسنتين عجاف (١) |
سنت إليه الرحلتان كلاهما |
|
سفر الشتاء ورحلة الأصياف |
وذلك أن قريشا كانوا قوما تجارا ، وكانت تجارتهم لا تعدو مكة ، إنما يقدم الأعاجم بالسلع فيشترون منهم ويتبايعون فيما بينهم ، ويبيعون ممن حولهم من العرب. فلم يزالوا كذلك حتى ذهب هاشم إلى الشام ، فكان يذبح كل يوم شاة ، فيصنع جفنة ثريد ، ويدعو من حوله فيأكلون.
وكان هاشم من أحسن الناس وأجملهم ، إلى شرف نفسه وكرم فعاله. فذكر لقيصر فدعا به فلما رآه وكلمه أعجب به وأدناه. فلما رأى هاشم مكانه منه ، طلب منه أمانا لقومه ليقدموا بلاده بتجاراتهم. فأجابه إلى ذلك. وكتب لهم قيصر كتاب أمان لمن أتى منهم.
فأقبل هاشم بذلك الكتاب ، فكلما مر بحى من أحياء العرب أخذ من أشرافهم إيلافا لقومه يأمنون به عندهم وفى أرضهم من غير حلف ، وإنما هو أمان الطريق.
واستوفى أخذ ذلك ممن بين مكة والشام ، فأتى قومه بأعظم شيء أتوا به قط بركة ، فخرجوا بتجارة عظيمة ، وخرج هاشم معهم ليوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب ، فلم يزل يوفيهم إياه ، ويجمع بينهم وبين العرب حتى قدم بهم الشام.
فهلك هاشم فى سفره ذلك بغزة من أرض الشام. وكان أول بنى عبد مناف هلكا.
وخرج المطلب بن عبد مناف ، وهو يسمى الفيض لسماحته وفضله ، إلى اليمن ، فأخذ من ملوكهم أمانا لمن تجر من قومه إلى بلادهم ، ثم أقبل يأخذ لهم الإيلاف ممن
__________________
(١) هشم الثريد : به سمى هاشم بن عبد مناف أبو عبد المطلب جد النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يسمى عمرا وهو أول من ثرد الثريد وهشمه فسمى هاشما ، فقالت فيه ابنته هذه الأبيات ، وقال ابن برى : الشعر لابن الزبعرى. انظر هذا القول والبيت فى اللسان (١٢ / ٦١١).