الله بك فانصحنى وعلمنى ، قال : لو لم تسلنى ذلك لفعلت ، آمرك أن توحد الله لا تشرك به شيئا ، وأن تقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج هذا البيت وتغتسل من الجنابة ولا تتأمرن على رجلين من المسلمين أبدا.
قال قلت : يا أبا بكر ، أما أنا والله فإنى أرجو أن لا أشرك بالله أبدا ، وأما الصلاة فلن أتركها أبدا إن شاء الله ، وأما الزكاة فإن يكن لى مالى أؤديها إن شاء الله ، وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء الله ، وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله وأما الإمارة فإنى رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعند الناس إلا بها فلم تنهى عنها؟ قال : إنما استجهدتنى لجهده لك ، وسأخبرك عن ذلك : إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم بهذا الدين فجاهد فيه حتى دخل الناس فيه طوعا وكرها ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ الله وجيرانه وفى ذمته ، فإياك أن تخفر الله (١) فى جيرانه فيتبعك الله فى خفرته ، فإن احدكم يخفر فى جاره فيظل نائتا (٢) عضله غضبا لجاره إن أصيب له شاة أو بعير ، فالله أشد غضبا لجاره.
قال : ففارقته على ذلك ، فلما قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر أبو بكر على الناس قدمت عليه فقلت : يا أبا بكر ، ألم تكن نهيتنى عن أن أتامر على رجلين من المسلمين؟ قال : بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك. فقلت له : فما حملك على أن تلى أمر الناس؟ قال : لا أجد من ذلك بدا خشيت على أمة محمد الفرقة (٣).
وفى هذه الغزاة أيضا صحب عوف بن مالك الأشجعى أبا بكر وعمر رضى الله عنهما قال : فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها وهم لا يقدرون على أن يعضوها فقلت : أتعطونني منها عشيرا على أن أقسمها بينكم؟ قالوا : نعم.
فأخذت الشفرتين فجزأتها وأخذت منها جزء فحملته إلى أصحابى فاطبخناه فأكلناه ، فقال أبو بكر وعمر : أنى لك هذا اللحم يا عوف؟ فأخبرتهما خبره فقالا : والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيّئان ما فى بطونهما من ذلك. فلما قفل الناس كنت أول قادم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجئته وهو يصلى فى بيته فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. قال : أعوف بن مالك؟ قلت : نعم بأبى أنت
__________________
(١) تخفر الله : أى تنقض عهده.
(٢) فيضل نائتا : أى يضل مرتفعا.
(٣) انظر : السيرة (٤ / ٢٤٨).