قال : فمشيت معه شيئا حتى إذا أمكننى حملت عليه بالسيف فقتلته ، ثم خرجت وتركت ظعائنه منكبات عليه. فلما قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرآنى قال : «أفلح الوجه»! قلت : قد قتلته يا رسول الله ، قال : «صدقت» ، ثم قام بى فأدخلنى بيته فأعطانى عصا ، فقال : «أمسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس» ، قال : فخرجت بها على الناس ، فقالوا : ما هذه لعصا؟ قلت : أعطانيها رسول ؛ الله صلىاللهعليهوسلم وأمرنى أن أمسكها عندى. قالوا : أفلا ترجع إليه فتسأله لم ذلك؟ فرجعت فقلت : يا رسول الله ، لم أعطيتنى هذه العصا؟ قال : «آية بينى وبينك يوم القيامة ، إن أقل الناس المتخصرون يومئذ» ، فقرنها عبد الله بن أنيس بسيفه فلم تزل معه حتى مات ثم أمر بها فضمت فى كفنه ثم دفنا جميعا (١).
وقال عبد الله فى ذلك :
تركت ابن ثور كالحوار وحوله |
|
نوائح تفرى كل جيب مقدد |
تناولته والظعن خلفى وخلفه |
|
بأبيض من ماء الحديد مهند |
عجوم لهام الدار عين كأنه |
|
شهاب غضبا من ملهب متوقد (٢) |
أقول له والسيف يعج رأسه |
|
أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد (*) |
وقلت له خذها بضربة ماجد |
|
حنيف على دين النبيّ محمد |
وكنت إذا هم النبيّ بكافر |
|
سبقت إليه باللسان وباليد |
ومن البعوث أيضا : بعث مؤتة حيث أصيب جعفر بن أبى طالب وأصحابه ، وغزوة كعب بن عمير الغفارى ذات أطلاح من أرض الشام أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بنى العنبر من تميم.
وكان من حديثهم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعثه إليهم ، فأغار عليهم ، وأصاب منهم أناسا ، وسبى منهم أناسا ، وقالت عائشة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، إن علىّ رقبة من ولد
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٣ / ٤٦٩) ، سنن أبو داود (١٢٤٩) ، صحيح ابن حبان (٩ / ٧١١٦) ، سنن البيهقي (٣ / ٢٥٦) ، صحيح ابن خزيمة (٢ / ٩٨٢).
(٢) عجوم : هو من صفات الأبيض وهى صيغة مبالغة من العجم وهو العض. الغضا : شجر يشتد التهاب النار فيه.
(*) ذكر فى السيرة بعد هذا البيت بيت آخر لم يذكره هنا ، وهو :
أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره |
|
رحيب فناء الدار غير مزند |
انظر : السيرة (٤ / ٢٤٤).