ثم إنه تعالى قد أمر الناس بالصلاة والتسليم على رسوله الأكرم «صلى الله عليه وآله» وليس ذلك إلا لأجل أنه تعالى يريد أن يستفيد من ذلك في خدمة الدين والإنسان والإنسانية.
أضف إلى ما تقدم : أن هذا الإعطاء ليس بلا حدود ولا قيود ، بحيث يوجب أن تتكدس الأموال عند طائفة معينة ، مع حاجة الآخرين إليها. فلا يعطى لكل إلا بمقدار مؤونة سنته ، وما يرفع حاجته ، كما في الروايات والفتاوى. كما أن أمر سهم الإمام بيد الإمام أو المجتهد ، وكذا سهم السادة على بعض الفتاوى.
أما بالنسبة إلى الزكاة فليس الأمر كذلك ، إذ يمكن إعطاء مبالغ ضخمة منها لمستحقها ، بحيث ينتقلون من الفقر إلى الغنى دفعة واحدة.
ومن جهة ثانية ، فإن الخمس ـ إلى جانب أمور أخرى ـ قد ساهم مساهمة فعالة في حفظ الدين على مدى التاريخ ، فهو الذي حفظ ارتباط الناس بالمرجعية الدينية ، وساهم في بعث الثقة المتبادلة فيما بينهم وبينها ، وساعد الناس على التغلب على آثار إهمال ، واضطهاد الحكام لهم ، وسد الكثير من حاجاتهم ، وساهم في إنشاء المؤسسات التي تخدم المجتمع ، وترفع من مستواه روحيا ، وماديا وفكريا ، وجعل بإمكان القيادة الدينية ، وكذلك القاعدة الشعبية : أن تعيش حرة في تفكيرها ، وفي مواقفها ، من دون ارتباط بالحاكم الجائر ، أو خضوع له ، ولم يعد بإمكانه أن يمارس ضدهم أي ضغط يرونه في غير صالح الدين ، ولا أن يستعملهم أداة لتحقيق مآربه ، والوصول إلى غاياته. فهم لا يستمدون مكانتهم واعتبارهم ، ولا لقمة عيشهم منه ، ولا يفرض عليهم أي ارتباط به ، إلا في حدود الروابط العقيدية والدينية.