عقل لها لتهتدي بهديه ، وتسترشد برشده. أما إذا تصرفت تصرفا عقلانيا أحيانا ، كما لو رأينا الذئب لا يعتدي على الشاة ، والسنور لا يلاحق الفأرة مثلا ، فلسوف نتعجب من ذلك ، ونتناقله في مجالسنا ، لأن ذلك على خلاف ما عهدناه من فطرته وجبلته ، وغريزته ، وإن لم يكن بدافع من عقله ، لأنه لا عقل له ، وإنما بسبب الدربة ، والعادة ، والإلف.
أما الإنسان ، فإنه لو ظلم ، أو كذب ، أو اغتاب ، أو أتلف ؛ أو فعل غير ذلك مما هو في غير مصلحته ، وعلى خلاف الدين ، والعقل ، فإنه يكون قد تصرف على خلاف مقتضيات فطرته وجبلته ، وانحرف عن مساره ، وخرج عن إنسانيته ، فهو إذن أضل من الأنعام.
أضف إلى ذلك : أننا حين نرى الأنعام لا تقتحم ما يضرها ، ونرى الإنسان لا يتورع عن اقتحام ما يضره ، ويهدم سعادته ، استجابة لشهوته وهواه ، وغريزته ، فلا بد أن نقول : إن الأنعام ـ ولا شك ـ أهدى منه وأرشد.
فاتضح مما تقدم : أن الإنسان مجبول على السعي إلى ما ينفعه ، والابتعاد عما يضره ، وأن أحكام الإسلام موافقة للفطرة وللطبيعة الإنسانية ، وأن ابتعاد الإنسان عما يضره ويشقيه ، وسعيه إلى ما فيه سعادته وراحته أمر فطري فيه ، لا يمكنه التخلف عنه ، ولا التخلص منه.
ولأجل ذلك نجد : أن الإنسان العاقل وإن لم يكن مؤمنا ـ نجده ـ بحكم فطرته لا يقدم على الأمور التي يقطع بضررها وفسادها ؛ فهو لا يقدم ـ مختارا ـ على شرب السم مثلا ؛ بل هو لا يتواجد في أمكنة يعلم أن تواجده فيها سوف يلحق به ضررا بالغا من نوع ما ؛ ولا يقدم على قتل