إليه تسليط (١) سعد بن أبي وقّاص عليه ، فسكت عمر عنه ، فأعاد ذلك مرارا حتى إذا أكثر عليه ، فقال : وما عليك يا عتبة أن تقرّ بالإمارة لرجل من قريش له صحبة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشرف؟! فلما قضى حاجته أمره عمر أن يرجع إلى عمله ، فأبى أن يفعل ، وحلف أن لا يرجع إليه أبدا ، ولا يلي عملا (٢) ، فعمل عتبة بن غزوان سنة بالبصرة ، وكتب عمر عند ذلك إلى المغيرة بن شعبة فاستعمله على البصرة ، وأمره أن يغزو من قبله ، فسار المغيرة إلى نهير تيري ، فخرج إليه عظيمها النوشجان أو النخيرجان أو الفيرزان صاحب دسكرة الملك ، فقاتله فقتله الله ، وافتتح المغيرة نهر تيري ، ثم رجع ، فأقام بالبصرة ، وكانت بالبصرة امرأة من بني هلال ابن عمرو يقال لها أم جميل وكانت امرأة حادرة (٣) ، وكان لها زوج من ثقيف يقال له الحجّاج ابن عبيد ، فهلك ، فكان المغيرة يدخل عليها ، فبلغ ذلك أهل البصرة ، فأعظموه حتى أساء به الظن أناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجعل عليه الرصد ، فخرج المغيرة يوما من الأيام حتى دخل عليها ، فانطلق أبو بكرة الثقفي ، ومسروح بن يسار ، وزياد بن عبيد أخو أبي بكرة لأمّه ، واستلحقه معاوية ، وأم أبي بكرة وزياد سمية ، وشبل بن معبد البجلي ، وكان شريفا ، ولم يكن بالبصرة رجل من بجيلة غيره ، ونافع بن الحارث بن كلدة ، فأتوا الباب ، فكشفوا الستر والمغيرة مع المرأة ، فشهدوا أنه قد واقعها.
فركب أبو بكرة إلى عمر بن الخطّاب ، فدخل عليه ، فأخبره ، فزعموا أن عمر لما رآه قال : اللهمّ إنّي أسألك بخير ما جاء به ، وأعوذ بك من شر ما جاء به ، ثم قال : أبو بكرة؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال (٤) : لقد جئت بسوأة ، قال : إنّما جاء بها المغيرة بن شعبة ، وقصّ عليه القصة ، فبعث عمر عبد الله بن قيس بن سليم بن حرب وهو أبو موسى الأشعري أميرا على البصرة ، وعزم عليه أن يسرّح المغيرة إليه وأصحابه الذين يشهدون عليه حتى يقدم ، فقال أبو موسى : يا أمير المؤمنين أعنّي بنفر من الأنصار ، فإنّي وجدت هذا الأمر لا يصلح إلّا بهم ، كما لا يصلح العجين إلّا بالملح ، فبعث معه أنس بن مالك في نفر من الأنصار ، فخرج أبو موسى حتى قدم البصرة ، فنزل المربد ، وبعث بكتاب عمر إلى المغيرة بن شعبة وفيه : ثكلتك أمك إذا نظرت في كتابي هذا فاقدم أنت والنفر الذين سمّيت معك ، فلما جاء الخبر إلى المغيرة أنّ أبا موسى قد نزل المربد قال : ما جاء الأشعري زائرا ولا تاجرا ، ثم أحسن أبو
__________________
(١) كذا بالأصل وبقية النسخ ، وفي معجم البلدان (بصرة) : تسلّط.
(٢) كذا ، وفي معجم البلدان : فأبى عمر إلّا ردّه ، فسقط عن راحلته في الطريق فمات ، وذلك في سنة ست عشرة.
(٣) يعني سمينة (راجع اللسان).
(٤) من هنا إلى قوله : أعنّي ، سقط من م.