احملني عليها ، فقال أبو بكر : لأن أحمل غلاما قد ركب الخيل على غرلته ـ يعني الأقلف ـ أحبّ إليّ من أن أحملك عليها ، فقال له الأنصاري : أنا خير منك ومن أبيك ، قال المغيرة : فغضبت لما قال لأبي بكر ، فقمت إليه ، فأخذت برأسه ، فركبته (١) على أنفه ، فكأنما كان عزلاء (٢) مزادة ، فتواعدني الأنصار أن يستقيدوا مني ، فيبلغ ذلك أبا بكر ، فقام فقال : إنه بلغني عن رجال زعموا أنّي مقيدهم من المغيرة ، وو الله لأن أخرجهم من دارهم أقرب إليهم من أن أقيدهم من وزعة الله (٣) الذين يزعون عنه.
أخبرنا أبو بكر اللفتواني (٤) ـ ببغداد ـ أنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن علي السمسار ، أنا أبو ذرّ محمّد بن أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، أنا أبو علي أحمد بن إبراهيم الصحاف ، نا أسيد بن عاصم ، نا الحسين ـ يعني ـ ابن حفص ، نا هشام بن سعد عن رجل سقط اسمه من الأصل.
أن عمر بن الخطّاب استعمل المغيرة بن شعبة على البحر ، فكرهوه ، فعزله ، ثم خافوا أن يرد عليهم ثانية ، فقال دهقان (٥) لهم : إن صنعتم ما آمركم لم يردّ عليكم المغيرة ، قالوا : مرنا بأمرك ، قال : أجمعوا لي مائة ألف درهم ، قال : فجمعوا له مائة ألف درهم ، فحمله إلى عمر ، فوضعه بين يديه فقال له عمر : يا دهقان ، ما هذا؟ قال : إن المغيرة ، اختان هذا من مال الله ، ودفعه إليّ ، فبعث عمر إلى المغيرة فدعاه ، فقال : ما يقول هذا؟ قال : كذب ، أصلح الله الأمير ، دفعت إليه مائتي ألف ، قال : ما حملك على ذا؟ قال : العيال والحاجة ، فقال عمر للدهقان : ما تقول؟ قال الدهقان : ما دفع إليّ شيئا ، ولكنا كرهناه فخفنا أن تردّه علينا ، قال عمر للمغيرة : ما أردت بقولك مائتي ألف ، قال : كذب عليّ الخبيث فأحببت أن أخزيه.
ورواه بندار بن بشّار عن حسين بن حفص ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه نحوه ، وهو الرجل الذي سقط اسمه من رواية اللفتواني.
__________________
(١) كذا بالأصل وبقية النسخ ، يقال ركبته أركبه بالضم : إذا ضربته بركبتك (راجع النهاية لابن الأثير : ركب).
(٢) العزلاء : مصب الماء من الرواية والقربة في أسفلها ، وهو فم المزادة الأسفل (اللسان).
(٣) وزعة الله : وزعة جمع وازع ، والوازع : الحابس العسكر الموكّل بالصفوف. وأراد هنا : أقيد من الذين يكفون الناس عن الإقدام على الشر ، راجع اللسان وزع ، وذكر حديث أبي بكر.
(٤) في م : «الفزامى».
(٥) الدهقان ، فارسي معرب ، وهو القوي على التصرّف ، وزعيم فلاحي العجم ، وقيل هو : رئيس القرية (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة ص ٦٨).