خرجت يا رسول الله وأنا كأحدهم ، ورجعت وأنا أراهم كالعبيد لي ، قال : «كذلك الإمارة يا أبا معبد إلّا من وقاه الله شرّها» ، قال : لا جرم ، والذي بعثك بالحق لا أتأمر على رجلين بعدها.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر محمّد بن العباس ، أنا عبد الوهّاب بن أبي حية ، أنا محمّد بن شجاع ، أنا الواقدي (١) ، قال : فحدّثني موسى بن محمّد ، عن عاصم بن عمر ، عن محمود بن لبيد قال :
نادى : الفزع! الفزع! ثلاثا ، ثم وقف واقفا على فرسه حتى طلع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الحديد مقنعا ، فوقف واقفا ، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو ، وعليه الدرع والمغفر ، شاهرا سيفه ، فعقد له رسول الله صلىاللهعليهوسلم لواء في رمحه ، وقال : «امض حتى تلحقك الخيول ، إنّا على أثرك» قال المقداد : فخرجت وأنا أسأل الله الشهادة. حتى أدرك أخريات العدو ، وقد أذمّ (٢) بهم فرس لهم فاقتحم فارسه وردف أحد أصحابه ، فأخذ الفرس المذمّ فإذا هو ضرع (٣) أشقر ، عتيق ، لم يقو على العدو ، وقد عدوا عليه من أقصى الغابة ، فحسر ، فارتبط في عنقه قطعة وتر ، وأخليه ، وقلت : إن مرّ به أحد فأخذه جئته بعلامتي فيه ، فأدرك مسعدة فأطعنه بالرمح فيه اللواء ، فزلّ الرمح ، وعطف عليّ بوجهه فطعنني وآخذ الرمح بعضدي فكسرته (٤) ، وأعجزني هربا ، وأنصب لوائي ، فقلت : يراه أصحابي ويلحقني أبو قتادة معلما بعمامة صفراء على فرس له ، فسايرته ساعة ونحن ننظر إلى دبر ابن مسعدة (٥) فاستحثّ فرسه ، فتقدّم على فرسي ، فبان سبقه ، وكان أجود من فرسي حتى غاب عني ، فلا أراه ، ثم ألحقه فإذا هو ينزع بردته فصحت : ما تصنع؟ قال : خير (٦) أصنع كما صنعت بالفرس ، فإذا هو قد قتل مسعدة وسجّاه ببردة ، ورجعنا ، فإذا فرس (٧) في يد علبة بن زيد الحارثي ، فقلت : فرسي وهذه علامتي ، فقال : تعال (٨) إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجعله مغنما.
__________________
(١) رواه الواقدي في المغازي ٢ / ٥٣٩ وما بعدها.
(٢) أذم ، يقال : أذمت ركاب القوم أي أعيت وتأخرت عن جماعة الإبل.
(٣) ضرع : ضعيف ، والمهر الضرع : الهرم ، والنحيف.
(٤) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم : ابن مسعدة.
(٥) الأصل وم ود ، و «ز» : فسكرته.
(٦) كذا بالأصل وم ، ود ، و «ز» ، وفي مغازي الواقدي : خيرا أصنع.
(٧) بالأصل وم ، و «ز» ، ود : «فرسي» والمثبت عن المغازي.
(٨) الأصل وم ، و «ز» ، ود : تعالى.