كان باطلا إنّها لخدعة أريب ، لا آمرك به ولا أنهاك عنه ، فقال عبد الرّحمن : يا أمير المؤمنين لأحسن الفتى المصدر فيما أوردته فيه ، فقال عمر : لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشّمناه.
أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، وأبو بكر ابن إسماعيل ، قالا : نا يحيى بن محمّد ، نا الحسين بن الحسن ، أنا ابن المبارك ، أنا محمّد ابن أبي ذئب ، عن مسلم بن جندب ، عن أسلم مولى عمر قال :
قدم علينا (١) معاوية بن أبي سفيان ، وهو أبيض أو أبض الناس وأجملهم ، فخرج إلى الحجّ مع عمر بن الخطّاب ، وكان عمر ينظر إليه فيعجب له ، ثم يضع إصبعه على متنه ثم يرفعها عن مثل الشراك فيقول : بخ بخ ، نحن إذا خير (٢) الناس إن جمع لنا خير الدنيا والآخرة ، فقال معاوية : يا أمير المؤمنين ، سأحدثك : إنّا بأرض الحمامات ، والريف ، فقال عمر : سأحدّثك ما بك ، ألطافك نفسك بأطيب الطعام ، وتصبّحك (٣) حتى تضرب الشمس متنيك ، وذووا (٤) الحاجات وراء الباب ، قال : فلمّا جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها ، فوجد عمر منها ريحا كأنه ريح طيب ، فقال : يعمد أحدكم يخرج حاجّا تفلا حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة ، أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما ، فقال معاوية : إنّما لبستهما لأن أدخل فيهما على عشيرتي أو قومي ، والله لقد بلغني أذاك هنا وبالشام ، والله يعلم أنّي لقد عرفت الحياء فيه ، ونزع معاوية الثوبين ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما.
أخبرنا أبو بكر اللفتواني ، أنا أبو عمرو بن مندة ، أنا أبو محمّد بن يوة ، أنا أبو الحسن اللنباني (٥) ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني أبي ، عن هشام بن محمّد ، عن أبي عبد الرّحمن المدني قال :
كان عمر بن الخطّاب إذا رأى معاوية قال : هذا كسرى العرب (٦).
__________________
(١) رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق ص ٢٠٢ و ٢٠٣ رقم ٥٧٦ وابن كثير في البداية والنهاية بتحقيقنا ٨ / ١٣٣ ـ ١٣٤ من طريق ابن المبارك ، وابن حجر في الإصابة ٣ / ٢٣٢ وتاريخ الإسلام (٤١ ـ ٦٠) ص ٣١٠ ـ ٣١١ وسير الأعلام ٣ / ١٣٤.
(٢) بالأصل : «بخير» والمثبت عن النسخ والمصادر.
(٣) تقرأ بالأصل و «ز» ود ، وم : «ونضيجه» والمثبت عن الزهد والرقائق.
(٤) بالأصل ، و «ز» ، ود : «وذو» والمثبت عن الزهد ، وفي م : وذوا.
(٥) تحرفت بالأصل والنسخ إلى : اللبناني.
(٦) من هذا الوجه رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ١٣٤.