نادرة :
مما حدث به العتبي عن أبيه قال :
ـ / خرج أبو سفيان في جماعة قريش وثقيف يريدون بلاد كسرى بتجارة لهم ، فلما قاربوا بلاده قال أبو سفيان :
ـ أنا على خطر من السلامة من أجل دخولنا بلاد كسرى بغير إذنه ، فأيكم يذهب بالتجارة ، فإن قتل فعلينا ديته. وإن سلم وعاد فله نصف الربح؟
فقال غيلان بن سلمة الثقفي : أنا أمضي على ما قلتم.
وكان رجلا أبيض طويلا جهدا حسن الوجه ذو عقل.
فلما وصل مدينة الملك كسرى لبس ثوبين أصفرين وشهر بهما نفسه وقعد بالباب حتى أذن له فدخل عليه.
وإذا الملك جالس في الإيوان وبينه وبين الناس شبكة (١) عظيمة من ذهب يرى الناس من ورائها وهم لا يرونه.
فقال له الترجمان : يقول لك الملك من أدخلك بلادي بغير إذني؟
فقال : أنا أيها الأمير لست بجاسوس ولا أنا من أهل عداوة الملك ، وأنا حملت تجارة أردت عرضها على الملك قبل عرضها على التجار ، فإن أرادها الملك فهي له.
قال : وإنه ليتكلم إذ سمع صوت الملك كسرى فخر ساجدا.
قال له الترجمان : يقول لك الملك : لماذا سجدت؟
فقال : سمعت صوتا عظيما مرتفعا في حضرة ملك لا ترفع الأصوات عنده ، فعلمت أنه صوت الملك فسجدت.
قال : قد شكر الملك أدبك ، وأمر له بوسادة ليجلس عليها.
فلما تناولها حملها فوق رأسه وقام واقفا فقال له الترجمان : يقول لك الملك إنّا أمرنا بها لك لتجلس عليها ، فلم حملتها على رأسك ولم تجلس؟
قال : لما تناولتها رأيت عليها صورة الملك مرقومة بالذهب فرفعتها على أكرم أعضائي ولا أجلس وأنا حاملها.
فأمر له ببساط منسوج بالذهب ، ثم قال له : اجلس / فما رفعنا لك الوسادة إلا لنختبر عقلك وأدبك ، فإذا أنت حسن العقل والأدب.
__________________
(١) في متن المخطوط : كبشة ، وهو تحريف والتصويب من الهامش وهو بخط الناسخ.