فما مضى من الدنيا فحلم ، وما بقي فأماني. وأما الشيطان : فأطيع فما نفع وعصى فما ضر. وأن طريق التقوى سلوكه هين ، إذا رابك شيء فاتركه ، والنفس تنقاد إلى الخير إذا عودتها ، كما قال صاحب البردة :
النفس كالطفل إن تهمله شبّ على |
|
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم |
وقال بعضهم :
مصائب الدنيا خمس : المرض في الغربة ، والفقر بعد الغنى ، والعمى بعد البصر ، والعجز عند الكبر ، والحاجة عند اللئام.
ما قيل في التقوى :
اعلم أن التقوى حفظ خمسة أعضاء :
العين : من النظر إلى ما لا يحل لك أن تنظر إليه.
والأذن : عن ما لا يحل لك سماعه كالغيبة والملاهي وما أشبه ذلك.
وحفظ اللسان : عن ما لا يحل لك الكلام فيه كالغيبة والنميمة وفضول الكلام.
وحفظ البطن : من إدخال الحرام فيه.
وحفظ الفرج : من الزنا واللواط.
مع لزوم المفروضات ، وآداء حقوق الله ، وحقوق عباده. فمن كانت فيه هذه الخصال كان من المتقين ، واعلم أنك لو أفنيت عمرك في العبادة أليس الشأن كله في القبول؟ كما قال الله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧]. فارجع العبادة كلها إلى التقوى ، وبهذا أوصى الله الأولين والآخرين فقال تعالى جل جلاله : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) [النساء : ١٣١].
/ ومما قيل في الرضى بقضاء الله سبحانه :
فعليك بالرضى بما قضى الله لك أو عليك من خير وشر ، ونفع وضر ، فإنك إن لم ترض بقضائه فلا تزال مهموما كئيبا مشغول القلب بأن تقول : لم كان كذا ولم كان كذا؟ وليس ملأته من الهموم بما كان وبما ليس ما يكون من أمور الدنيا؟ فعند ذلك يحل بك سخط الله سبحانه حيث لم يرضك قضاؤه وحكمه ، فقد قال تعالى فيمن لم يرض بقضاء رسول الله وأقسم : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥]. فهذا حال من لم يرض بقضاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكيف حال من لم يرض بقضاء الله سبحانه؟
ولقد روينا في الأخبار : أن نبيا من الأنبياء ناله مكروه فشكى ذلك إلى الله سبحانه