الآدميين وضفه إلى جنس الكلاب وعده كلبا نابحا ، وأرح نفسك من خطابه ، ولسانك من جوابه وقلبك من التفكر فيه ، واعرض عنه كما تعرض عن الكلب إذا نبح عليك.
وإن أبيت إلا خطابه وجوابه فقد ألحقت عالمك بعالمه وصيرت نفسك مثله. فقد قال بعضهم :
ـ من لم يكتسب بالعقل والأدب مالا اكتسب بهما مهابة وجمالا ، وكان له أنسا في الوحشة ، ومودة في الغربة ورفعة في المجالسة.
ومما قيل في الغضب :
اعلم أن الغضب هو غليان دم القلب ، والغضب مخلوق / من نار في طينة الآدمي فمتى حصل له ما يغضبه اشتعلت تلك النار اشتعالا يغلي به دم القلب فيسري في العروق ويرتفع دخانه إلى أعلى البدن فيحجب العقل فيقع من الآدمي ما يعقبه الندم إذا خمدت تلك النار وذهب ذلك الدخان فلا يفيده ذلك الندم.
والناس في ذلك على طبقات مختلفة ، فكل واحد على قدر نار غضبه يكون اشتعالها وخمودها بقدر قوتها وضعفها. نعوذ بالله من غضب يؤول إلى الندامة.
نصيحة :
[قال](١) بعضهم : أقوى مكائد العقلاء إظهار المودة للأعداء ما دام لدولتهم إقبالا.
عبرة :
اعلم أن لكل إنسان قوى ثلاثة : ناطقية ، وغضبية ، وشهوانية.
فالناطقية : هي التي شرفه الله بها على سائر الحيوان فشارك بها الملائكة.
والغضبية : إذا أفرطت أخرجت صاحبها عن حد الإنسانية وألحقته بعالم السباع لوجود المماثلة في الخلق ، فيغضب كالأسد ، أو يحقد كالخنزير ، أو يثب كالنمر ، أو يغير كالذئب ، أو يرتعد كالقرد.
وقس على ذلك الشهوانية إذا أفرطت أخرجت صاحبها من العالم الإنساني وألحقته بعالم مماثلة من البهائم ، فإن البهائم لا شهوة لها إلا الأكل والنكاح ولا غيرة لهم. فنعوذ بالله من ذلك (٢).
موعظة :
قال ابن دعامة الأنباري : رأيت مجنونا ببغداد ، وهو على باب دار فيها وليمة
__________________
(١) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.
(٢) هذه الفقرة سبق ذكرها قبل قليل تحت عنوان عبرة أيضا.