وما يقوى على قتال هؤلاء أحد ، ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل ، لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض ، وقووا على الخروج من موضعهم.
فردّ إليهم (١) المقوقس رسله ابعثوا إلينا رسلا منكم نعاملهم ، ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه أن يكون فيه صلاح لنا ولكم.
فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر ، أحدهم عبادة بن الصامت.
حدثنا سعيد بن عفير ، قال : أدرك الإسلام من العرب عشرة نفر طول كلّ رجل منهم عشرة أشبار ، عبادة بن الصامت أحدهم.
ثم رجع إلى حديث عثمان قال : وأمره عمرو أن يكون متكلّم القوم ، وألّا يجيبهم إلى شىء دعوه إليه إلّا إحدى هذه الثلاث خصال ؛ فإن أمير المؤمنين قد تقدّم إلىّ فى ذلك ، وأمرنى ألّا أقبل شيئا سوى خصلة من هذه الثلاث خصال*).
(*) وكان عبادة بن الصامت أسود ، فلما ركبوا السفن إلى المقوقس ، ودخلوا عليه ، تقدّم عبادة ، فهابه المقوقس لسواده فقال : نحّوا عنّى هذا الأسود ، وقدّموا غيره يكلّمنى ، فقالوا جميعا : إنّ هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما ، وهو سيّدنا وخيرنا والمقدّم علينا ، وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه ، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به ، وأمرنا بأن لا نخالف رأيه وقوله ، قال : وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم؟ وإنما ينبغى أن يكون هو دونكم ، قالوا : كلّا ، إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا ، وأفضلنا سابقة وعقلا ورأيّا ، وليس ينكر السواد فينا.
فقال المقوقس لعبادة : تقدّم يا أسود ، وكلّمنى برفق ؛ فإنى أهاب سوادك ، وإن اشتدّ كلامك علىّ ازددت لذلك هيبة ، فتقدّم إليه عبادة ، فقال : قد سمعت مقالتك ، وإنّ فيمن خلّفت من أصحابى ألف رجل أسود ، كلّهم أشدّ سوادا منى وأفظع منظرا ولو رأيتهم (٢) لكنت أهيب لهم منك لى ، وأنا قد وليت ، وأدبر شبابى ، وإنى مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوّى لو استقبلونى جميعا ، وكذلك أصحابى ، وذلك أنّا
__________________
(١) ب : «عليهم».
(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١١١ ـ ١١٢ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.
(٢) ب : «نظرتهم».