السماء عزالى وأودع مطر رأيته قط ، فأسمعه يقول : أي رب لا هدم فيه ولا غرق ولا ملأ فيه فلا محق ، قال : ثم سلّم الإمام من الصبح ، وتقنّع الرجل منصرفا ، وتبعته حتى جاء زقاق اللبادين ، فدخل في مشربة له ، فلمّا أصبحت سألت عنه. قالوا : هذا زياد النجار ، هذا رجل ليس له فراش ، إنّما هو يكابد الليل صلاة ودعاء ، وهو من الدّعّائين ، وكلّ عمل [عمله](١) أخفاه جهده.
قال محمّد بن المنكدر : فذكرت قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ربّ ذي طمرين خفي ، لو أقسم على الله لأبرّه» [١١٧٥٢].
قال محمّد : فرآني بعد ذلك وخالّني ، فكره بعض ما ذكرت له ، وقال : اطو هذا يا أبا عبد الله ، فإنما جزاؤه عند الذي عملناه له ، قال محمّد بن المنكدر : فما ذكرته بعد [أن](٢) نهاني باسمه وقلت : رجل كذا ، ليرغب راغب في الدعاء (٣) ويعلم أن في الناس صالحين.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ (٤) ، نا أبو محمّد بن حيّان ، نا أبو العباس الهروي ـ يعني : محمّد بن أحمد بن سليمان ـ نا يونس بن عبد الأعلى ، نا ابن وهب ، نا ابن زيد [قال] قال محمّد بن المنكدر :
إني الليلة مواجه (٥) هذا المنبر جوف الليل أدعو ، إذا إنسان عند أسطوانة ، مقنّع رأسه ، فأسمعه يقول : أي رب ، إنّ القحط قد اشتد على عبادك ، فإنّي مقسم عليك يا ربّ إلّا سقيتهم ، قال : فما كان إلّا ساعة إذا سحابة قد أقبلت ، ثم أرسلها الله عزوجل وكان عزيزا على ابن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير ، فقال : هذا بالمدينة ولا أعرفه ، فلمّا سلم (٦) الإمام تقنع وانصرف وأتبعه ولم يجلس للقاضي حتى أتى دار أنس ، فدخل موضعا فأخرج مفتاحا ففتح ثم دخل. قال : ورجعت ، فلما أصبحت أتيته فإذا أنا أسمع نجرا في بيته ، فسلمت ثم قلت : أدخل؟ قال : ادخل ، فإذا هو ينجر أقداحا يعملها ، فقلت : كيف أصبحت أصلحك الله؟ فاستشهدها وأعظمها مني ، فلما رأيت ذلك قلت : إنّي قد سمعت أقسامك
__________________
(١) زيادة عن د.
(٢) بياض بالأصل ، والمثبت عن د.
(٣) بالأصل : «الدنيا» والمثبت عن د ، والمختصر.
(٤) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٣ / ١٥٢ وعن أبي نعيم في سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.
(٥) في الحلية : حذاء.
(٦) بالأصل ود : أسلم ، والمثبت عن حلية الأولياء.