وتوفي ابن لمالك بن طوق وهو بدمشق ، فدفنه في وطأة الأعراب ، خارج باب الصغير ، فلمّا رجع من المقابر أمر بنصب الموائد للناس ؛ فقال له نوح بن عمرو بن حويّ السكسكي : أيها الأمير ، ليس هذا وقت أكل ، هذا وقت مصيبة ، فقال مالك بن طوق : المصيبة نجزع لها ما لم تقع ، فإذا وقعت لم يكن لها إلّا الصبر عليها ، فأكل ، وأكل الناس.
قال السّفر بن إسماعيل (١) :
وحضرنا مالك بن طوق في وقت علة أصابته عندنا بدمشق فأنشد :
وليس من الرزية فقد مال |
|
ولا شاة تموت ولا بعير |
ولكن الرزية فقد شخص |
|
يموت لموته ناس كثير |
قال : ودخل سهل بن بشر بن مالك بن الأخطل التغلبي (٢) على مالك بن طوق ـ وهو نصراني ـ وفي عنقه صليب ، فقال له مالك بن طوق : من أنت؟ فانتسب له وعرّفه أنه من ولد الأخطل الشاعر التغلبي ، وأنه ابن عم الأمير ، فقال له مالك بن طوق : صدقت ، أنت ابن عمي ، واللحم والدم واحد ، ولكن ما تقدم من الكفر فألغوه ، فلا تعتقدوه ، فقد جاء الحق وزهق الباطل ، وأمر بأثواب فأحضرت ، فألبسه إيّاها ، وأمر بجائزة فدفعت إليه ، ولم يفارقه حتى أسلم ، وضمن له أن يجمع ولد جده فيأخذهم بالإسلام ، ففعل ، وأسلموا كلهم بين يدي مالك بن طوق.
قال : وكان السّفر (٣) يقول لابنه :
يا بني ، ما لبسنا الثياب السرية من الدراريع (٤) وغيرها ، وضحينا الضحايا إلّا من مالك ابن طوق ، وكنا ندلّ عليه بالعشيرة.
أخبرنا أبو جعفر حنبل بن علي بن الحسين بن الحسن السجزي المعروف بالبخاري ـ إذنا فيما ناولني إيّاه وقرأ عليّ إسناده ـ أنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن أحمد المتوثي ، أنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد الشروطي ـ ببست ـ أنا أبو حاتم محمّد بن حبّان بن أحمد البستي ، حدّثني محمّد بن علي الجلادي ، نا محمّد بن أبي يعقوب الربعي ، نا عبد الكريم بن محمّد
__________________
(١) الخبر والشعر في ترجمة السفر بن مالك ، تقدمت ترجمته في كتابنا تاريخ مدينة دمشق ٢١ / ٣٤٠ رقم ٢٥٨٠.
(٢) تحرفت بالأصل إلى : الثعلبي.
(٣) السفر بكسر السين وسكون الفاء ، كما في تقريب التهذيب.
(٤) الدراريع واحدتها دراعة ، وهي جبة مشقوقة المقدم (راجع تاج العروس : درع).