يناقش أحدا فيه ، إنّما كان ورّاقه ، وابنه أبو سعيد يطلبان (١) الناس بذلك ، وقد كان يعلم به فيكرهه ثم لا يقدر على مخالفتهم (٢).
سمع منه الآباء والأبناء والأحفاد وأولادهم كفاه شرفا أن يحدّث طول تلك السنين ، ولا يجد أحد من الناس فيه مغمزا بحجة ، وما رأينا الرجل في بلد من بلاد الإسلام أكثر منها إليه ، فقد رأيت جماعة من أهل الأندلس والقيروان وبلاد المغرب على بابه وكذلك رأيت جماعة من أهل طراز (٣) وإسبيجاب (٤) وأهل المشرق على بابه ، وكذلك رأيت في عرض الدنيا من أهل المنصورة ، ومولتان (٥) وبلاد بست وسجستان على بابه ، وكذلك رأيت جماعة من أهل فارس ، وشيراز ، وخوزستان على بابه ؛ فناهيك بهذا شرفا واشتهارا وعلوا في الدين ، وقبولا في بلاد المسلمين في طول الدنيا.
سمعت أبا العباس غير مرة يقول : ولدت سنة سبع وأربعين ومائتين ، رأى محمّد بن يحيى الذهلي ، ولم يسمع منه ، ثم سمع من أحمد بن يوسف السلمي ، وأبي الأزهر أحمد بن الأزهر العبدي ، وفقد سماعه عند منصرفه من مصر ، ثم رحل به أبوه سنة خمس وستين على طريق أصبهان فسمع هارون بن سليمان ، وأسيد بن عاصم ، ولم يسمع بالأهواز ولا البصرة حرفا واحدا ، ثم إن أباه حج به في تلك السنة وسمع بمكة من : أحمد بن شيبان الرملي فقط ، ثم أخرجه إلى مصر ، وذكر بعض شيوخه بها ثم دخل الشام ، فسمع بعسقلان وببيروت من : العباس بن الوليد بن مزيد ، وأقام عليه حتى سمع منه مسائل الأوزاعي وغيره ، ثم دخل دمشق ، فسمع من محمّد بن هشام بن ملّاس النميري ، وسمع من يزيد بن عبد الصّمد وغيره ، ثم دخل دمياط فسمع من بكر بن سهل وغيره ، وأقام بطرسوس وسمع الكثير من أبي أمية ، وذهب بعض سماعاته منه ، ثم انحدر إلى حمص ، وسمع من محمّد بن عوف الطائي الكثير ، وذهب بعض سماعاته منه ، فإني سمعت عبد الله بن سعد الحافظ يقول : وجدنا سماع بعض أصحابنا من أبي العباس الأصم جزءا كبيرا من محمّد بن عوف ، فلم يحدث به ، ثم دخل الجزيرة ، فكتب بالرقة عن محمّد بن علي بن ميمون ، وهو إذ ذاك إمام الجزيرة ، ورحل من
__________________
(١) في تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٦١ : يطالبان.
(٢) في سير الأعلام : مخالفتهما.
(٣) طراز : بالفتح ، وقيل بالكسرة. بلد قريب من اسبيجاب من ثغور الترك (معجم البلدان).
(٤) إسبيجاب : من ثغور الترك.
(٥) مولتان : بلد في بلاد الهند على سمت غزنة (معجم البلدان).