قال : قال لي المازني (١) :
يا أبا العبّاس ، بلغني أنك تنصرف من مجلسنا ـ زاد البزار : فتصير وقالوا : ـ إلى المخيّس (٢) وإلى مواضع ـ وقال الخطيب : وقالوا المجانين والمعالجين (٣) فما معناك في ذلك؟ قال : فقلت : ـ زاد السيرافي وابن طاوس : أعزّك الله وقالوا : ـ إنّ لهم طرائف من الآلام (٤) وعجائب (٥) من الأسقام ، فقال : خبرني بأعجب ما رأيت من المجانين ، فقلت : دخلت يوما إلى مستترهم (٦) ، فرأيت مراتبهم على مقدار بليتهم ، وإذا قوم ـ زاد الخطيب وابن طاوس : قيام ، وقالوا : ـ قد شدت أيديهم إلى الحيطان بالسلاسل ، ونقبت من البيوت التي هم بها إلى غيرها يجاورها ، لأن علاج أمثالهم أن يقوموا الليل ـ وقال الخطيب : بالليل والنهار ـ لا يقعدون ولا ينضجعون ـ وقال الخطيب : ينبطحون (٧) ـ ومنهم من يجلب على رأسه ويدهن أوراده ، وقال السيرافي : آراده ، ومنهم من ينهل بالدواء حسب ما يحتاجون إليه ، ودخلت يوما مع ابن أبي خميصة (٨) ، وكان المتقلد النفقة عليهم ولتفقد أحوالهم ، فنظروا ـ زاد الخطيب وابن طاوس : إليه ، وقالوا : ـ وأنا معه فأمسكوا عما كانوا عليه ـ زاد السيرافي وابن طاوس : لو لا موضعه ، وقالوا : ـ فمررت على شيخ منهم تلوح صلعته وتبرق للدهن جبهته ، وهو جالس على حصير نظيف ، ووجهه إلى القبلة كأنه يريد الصلاة ، فجاوزته إلى غيره ، فناداني : سبحان الله ، أين السلام ، من المجنون؟ ترى أنا أم أنت؟ فاستحييت منه وقلت : السلام عليكم ، فقال : لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا حسن الردّ عليك ، على أنا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر ، لأنه كان يقال : إن للداخل [على القوم](٩) دهشة ، اجلس أعزّك الله عندنا ، وأومأ إلى موضع من حصيره ينفضه كأنه يوسع لي ، فعزمت على الدنو منه ، فنادى ابن أبي خميصة : إيّاك إيّاك ، فأحجمت عن ذلك ووقفت ناحية استجلب مخاطبته ، وأرصد الفائدة منه ، ثم قال ـ زاد السيرافي وابن طاوس : لي ، وقالوا : ـ وقد رأى معي محبرة ، يا هذا
__________________
(١) والخبر في معجم الأدباء ١٩ / ١١٥ ـ ١١٦.
(٢) المخيس : السجن (تاج العروس).
(٣) المعالجين : المدخولين في عقولهم والمتعاطين للعلاج.
(٤) في معجم الأدباء : الكلام.
(٥) «الآلام وعجائب» مكانهما بياض في تاريخ بغداد.
(٦) في تاريخ بغداد : مستقرهم.
(٧) الذي في تاريخ بغداد : يضطجعون.
(٨) بالأصل : حميضة ، والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٩) الزيادة بين معكوفتين عن تاريخ بغداد.