المبرّد بغداد : أتيته لأناظره ، وكنت أقرأ على أبي العبّاس ثعلب وأميل إلى قولهم ـ يعني الكوفيين ـ فعزمت على إعناته فلما فاتحته ألجمني بالحجّة وطالبني بالعلة ، وألزمني إلزامات لم أهتد لها ، فتبينت فضله ، واسترجحت عقله ، وجددت في ملازمته.
قال (١) : وأنا أبو يعلى (٢) أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، أنا إسماعيل بن سعيد المعدل ، نا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال : قال لي أبو العباس المبرّد : كنت أناظر بين يدي جعفر بن القاسم ، فكان يقول : أراك عالما ، فكان هذا يحفظني ، فلما رأى ذلك مني قال : إنّ قولي لك : أراك عالما ، ليس أنك عندي قبل اليوم على غير هذه الحال ، ثم انتقلت إليها ، ولكن على قول الله تعالى : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)(٣) وإن كان الأمر اليوم ويومئذ لله.
قال (٤) : وأخبرني علي بن أبي علي البصري ، حدّثني أبي ، حدّثني أبو علي الحسن بن سهل بن عبد الله الإيذجي ، حدّثني أبو عبد الله المفجّع قال :
كان المبرّد لعظم حفظه اللغة واتساعه فيها يتهم بالكذب ، فتواضعنا على مسألة لا أصل لها نسأله عنها لننظر كيف يجيب ، وكنا قبل ذلك قد تمارينا في عروض بيت الشاعر :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا (٥)
فقال بعضنا : هو من البحر الفلاني ، وقال آخرون : هو من البحر الفلاني ، فقطعناه وتردد على أفواهنا من تقطيعه ألق بعض ، فقلت له : أنبئنا (٦) أيّدك الله ، ما القبعض عند العرب؟ فقال المبرّد : القطن يصدق ذلك قول أعرابي :
كأن سنامها حشي القبعضا
قال : فقلت لأصحابي : هو ذا ترون الجواب والشاهد ، إن كان صحيحا فهو عجيب ، وإن كان اختلق الجواب وعمل الشاهد في الحال فهو أعجب.
__________________
(١) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ٣ / ٣٨٠.
(٢) عن تاريخ بغداد ، وبالأصل : علي.
(٣) سورة الانفطار ، الآية : ١٩.
(٤) تاريخ بغداد ٣ / ٣٨٠.
(٥) البيت مما نسب لطرفة بن العبد ، من قصيدة قالها وهو في السجن يخاطب عمرو بن هند مطلعها :
أبا منذر كانت غرورا صحيفتي |
|
ولم أعطكم بالطوع مالي ولا عرضي |
ديوانه ط صادر ص ٦٦ ، وعجزه : حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
(٦) بالأصل : أنا ، والمثبت عن تاريخ بغداد.