أعلقه بالنساء والربائب ، وأجعل من للاتصال كقوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) (١) ، فإني لست منك ولست مني ، ما أنا من دد ولا الدد مني. وأمهات النساء متصلات بالنساء ، لأنهن أمهاتهن. كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن ، لأنهن بناتهن انتهى. ولا نعلم أحدا ذهب إلى أنّ من معاني من الاتصال. وأما ما شبه به من الآية والشعر والحديث ، فمتأول : وإذا جعلنا من نسائكم متعلقا بالنساء ، والربائب كما زعم الزمخشري. فلا بد من صلاحيته لكل من النساء والربائب. فأما تركيبه مع لربائب ففي غاية الفصاحة والحسن ، وهو نظم الآية. وأما تركيبه مع قوله : وأمهات نسائكم ، فإنه يصير : وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فهذا تركيب لا يمكن أن يقع في القرآن ، ولا في كلام فصيح ، لعدم الاحتياج في إفادة هذا المعنى إلى قوله : من نسائكم. والدخول هنا كناية عن الجماع لقولهم : بنى عليها ، وضرب عليها الحجاب.
والباء : للتعدية ، والمعنى : اللاتي أدخلتموهن الستر قاله : ابن عباس ، وطاوس ، وابن دينار. فلو طلقها بعد البناء وقبل الجماع ، جاز أن يتزوج ابنتها. وقال عطاء ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث : إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها ، وحرمت على الأب والابن ، وهو أحد قولي الشافعي. واختلفوا في النظر إليها بشهوة ، فقال ابن أبي ليلى : لا يحرم النظر حتى تلمس ، وهو قول الشافعي. وقال مالك : يحرم النظر إلى شعرها ، أو شيء من محاسنها بلذة. وقال الكوفيون : يحرم النظر إلى فرجها بشهوة. وقال الثوري : يحرم إذا كان تعمد النظر إلى فرجها ، ولم يذكر الشهوة. وقال عطاء ، وحماد بن أبي سليمان : إذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح أمها ولا ابنتها ، وعدوا هذا الحكم إلى الإماء. وقال الحسن : إذا ملك الأمة وغمزها بشهوة ، أو كشفها ، أو قبلها ، لا تحل لولده بحال. وأمر مسروق أن تباع جاريته بعد موته وقال : أما أني لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدي من اللمس والنظر. وجرد عمر أمة خلا بها فاستوهبها ابن له فقال : لا تحل لك.
(فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي : في نكاح الربائب. وليس جواز نكاح الربائب موقوفا على انتفاء مطلق الدخول ، بل لا بد من محذوف مقدر تقديره : فإن لم تكونوا دخلتم بهن ، وفارقتموهن بطلاق منكم إياهن ، أو موت منهن.
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٦٧.