معنى ذلك أنه في صدد شغل آخر يريد أن يستقبله. وذهب إلى هذا التأويل جماعة من الفقهاء ، وانتزعوا من الآية جواز السجن ، لأن الذي يقوم عليه غريمه هو يمنعه من تصرفاته في غير القضاء ، ولا فرق بين المنع من التصرفات وبين السجن. وقيل : قائما بوجهك فيهابك ويستحي منك. وقيل : معنى : دمت عليه قائما ، أي : مستعليا ، فإن استلان جانبك لم يؤدّ إليك أمانتك.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وابن أبي ليلى ، والفياض بن غزوان ، وطلحة ، وغيرهم : دمت بكسر الدال ، وتقدم أنها لغة تميم وتقدم الخلاف في مضارعه.
و : ما ، في : ما دمت ، مصدرية ظرفية. و : دمت ، ناقصة فخبرها : قائما ، وأجاز أبو البقاء أن تكون : ما ، مصدرية فقط لا ظرفية ، فتقدر بمصدر ، وذلك المصدر ينتصب على الحال ، فيكون ذلك استثناء من الأحوال لا من الأزمان. قال : والتقدير : إلّا في حال ملازمتك له. فعلى هذا يكون : قائما ، منصوبا على الحال ، لا خبرا لدام ، لأن شرط نقص : دام ، أن يكون صلة لما المصدرية الظرفية.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) روي أن بني إسرائيل كانوا يعتقدون استحلال أموال. العرب لكونهم أهل أوثان ، فلما جاء الإسلام ، وأسلم من أسلم من العرب ، بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد ، فنزلت الآية مانعة من ذلك. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل شيء من أمر الجاهلية فهو تحت قدمي ، إلّا الأمانة فإنها مؤادّة إلى البر والفاجر». والإشارة بذلك إلى ترك الأداء الذي دل عليه لا يؤدّه ، أي : كونهم لا يؤدّون الأمانة كان بسبب قولهم.
والضمير في : بأنهم ، قيل : عائد على اليهود وقيل : عائد على لفيف بني إسرائيل. والأظهر أنه عائد على : من ، في قوله : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) وجمع حملا على المعنى ، أي ترك الأداء في الدّينار فما دونه وفما فوقه كائن بسبب قول المانع للأداء الخائن : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ) وهم الذين ليسوا من أهل الكتاب ، وهم العرب. وتقدّم كونهم سموا أمّيين في سورة البقرة.
والسبيل ، قيل : العتاب والذم. وقيل : الحجة على ، نحو قول حميد بن ثور :