بالرّغام (١) معراجها ، وضفت (٢) على أعطافها (٣) ملابس الخذلان ، وأقفر من كنائسها كناس (٤) الغزلان.
ثم أهبنا لغزو أم القرى الكافرة ، وخزائن المزاين (٥) الوافرة ، وربّة الشهرة السافرة ، (٦) والأنباء المسافرة ، قرطبة ، وما أدراك ما هيه! ذات الأرجاء الحالية (٧) الكاسية ، (٨) والأطواد الراسخة الراسية ، والمباني المباهية ، والزهراء (٩) الزاهية ، والمحاسن غير المتناهية ، (١٠) حيث هالة بدر السماء قد استدارت من السور المشيد البناء دارا ، ونهر المجرّة من نهرها الفياض ، المسلول حسامه من غمود الغياض ، (١١) قد لصق بها جارا ، وفلك الدولاب ، المعتدل الانقلاب ، قد استقام مدارا ، ورجع
__________________
(١) الرّغام (بالفتح) : التراب.
(٢) ثوب ضاف : سابغ طويل.
(٣) عطفا كل شيء : جانباه ، والجمع أعطاف.
(٤) الكناس : موضع في الشجر يستكنّ فيه الظّبي ويستقر ، إذا اشتدّ الحر.
(٥) المزاين : ما يتزين به.
(٦) السافرة : الذاهبة كل مذهب.
(٧) الحالية : التي لبست حليا.
(٨) الكاسية : المكتسية.
(٩) الزّهراء : مدينة في شمال قرطبة على بعد ثلاثة أميال منها ، تحت جبل العروس ؛ بناها الناصر المرواني أبو المظفر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله أول سنة ٣٢٥ ه ، وسماها باسم جارية كان يحبها ، اشتهت أن يبني لها مدينة في جبل العروس ، ويسميها باسمها. وقد وصفها المقري في نفح الطيب ١ / ٣٤٤ ـ ٣٧٤ طبع ليدن. وانظر الروض المعطار ص ٩٥.
(١٠) قد وصف المقري في النفح ١ / ٢٩٧ وما بعدها طبع ليدن ـ نقلا عن ابن سعيد ، والحميري في الروض المعطار ص ١٥٣ ـ ١٥٨ ، مدينة قرطبة بما يحسن الاطلاع عليه ، لتقدير وصفها في كلام ابن الخطيب هنا.
(١١) الغيضة : مغيض ماء يجتمع ، فينبت فيه الشجر ؛ وجمعها غياض.