ومنهم ، شيخنا المعمّر الرحّالة أبو عبد الله محمد بن عبد الرزاق ، شيخ وقته جلالة ، وتربية ، وعلما ، وخبرة بأهل بلده ، وعظمة فيهم. نشأ بفاس ، وأخذ عن مشيختها ، وارتحل إلى تونس ، فلقي القاضي أبا إسحق بن عبد الرفيع ، (١) والقاضي أبا عبد الله النّفزاوي ، وأهل طبقتهما. وأخذ عنهم ، وتفقّه عليهم ، ورجع إلى المغرب. ولازم سنن الأكابر والمشايخ ، إلى أن ولاه السّلطان أبو الحسن القضاء بمدينة فاس ، فأقام على ذلك ، إلى أن جاء السّلطان أبو عنان من تلمسان ، بعد واقعة القيروان ، وخلعه أباه ، فعزله بالفقيه أبي عبد الله المقري ، وأقام عطلا في بيته.
ولمّا جمع السّلطان مشيخة العلم للتّحليق بمجلسه ، والإفادة منهم ، استدعى شيخنا أبا عبد الله بن عبد الرزاق ، فكان يأخذ عنه الحديث ، ويقرأ عليه القرآن برواياته ، في مجلس خاصّ إلى أن هلك ، رحمهالله ، بين يدي مهلك السّلطان أبي عنان. إلى آخرين ، وآخرين ، من أهل المغرب والأندلس ، كلّهم لقيت وذاكرت وأفدت منه ، وأجازني بالإجازة العامة.
حدوث النّكبة من السّلطان أبي عنان
كان اتصالي بالسّلطان أبي عنان ، آخر سنة ستّ وخمسين ، وقرّبني وأدناني ، واستعملني في كتابته ، حتى تكدّر جوّي نده ، بعد أن كان لا يعبّر عن صفائه ، ثم اعتلّ السّلطان ، آخر سبع وخمسين ، وكانت قد حصلت بيني وبين الأمير محمد صاحب بجاية (٢) من الموحدين مداخلة ، أحكمها ما كان لسلفي في دولتهم.
__________________
(١) أبو إسحق إبراهيم بن الحسن بن عبد الرفيع الربعي التونسي قاضي القضاة بتونس (٦٣٥ ـ ٧٣٥) له كتاب «معين الحكام» في مجلدين ، اختصر فيه كتاب المتّيطية ، وقصد أن يرد على أبي محمد بن حزم ، فيما انتقده من أحاديث خرجها مالك في الموطأ ، ولم يقل بها. ديباج ص ٨٩ ، المنهل الصافي ١ / ١٤.
(٢) هو أبو عبد الله محمد بن الأمير أبي زكرياء. ولاه أبو عنان إقليم بجاية ليقف ـ دونها ـ في وجه ملوك تونس يومئذ. انظر مفصل أخباره في العبر ٧ / ٢٨٢.