عليه من الحاشية والذّوين ، (١) فعمل السّلطان على إشارته ، واستدعى ابن سيّد الناس ، وولّاه حجابته. وكان السّلطان أبو يحيى إذا خرج من تونس يستعمل جدّنا محمدا عليها ، وثوقا بنظره واستنامة إليه ، إلى أن هلك سنة سبع وثلاثين ، ونزع ابنه ، وهو والدي محمد أبو بكر ، عن طريقة السيف والخدمة ، إلى طريقة العلم والرباط ، لما نشأ عليها في حجر أبي عبد الله الزّبيدي (٢) الشهير بالفقيه ، كان كبير تونس لعهده ، في العلم والفتيا ، وانتحال طرق الولاية التي ورثها عن أبيه حسين وعمّه حسن ، الوليين الشّهيرين. وكان جدّنا رحمهالله قد لزمه من يوم نزوعه عن طريقه ، وألزمه ابنه ، وهو والدي رحمهالله فقرأ وتفقّه ، وكان مقدّما في صناعة العربية ، وله بصر بالشعر وفنونه. عهدي بأهل الأدب يتحاكمون إليه فيه ، ويعرضون حوكهم عليه ، وهلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة.
نشأته ومشيخته وحاله
أما نشأتي فإنّي ولدت بتونس (٣) في غرّة رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، وربيت في حجر والدي رحمهالله إلى أن أيفعت وقرأت القرآن العظيم على الأستاذ المكتّب أبي عبد الله محمد بن سعد بن برّال (٤) الأنصاري ، أصله من جالية
__________________
(١) الذّوون : الأدنون الأخصّون. (لسان العرب).
(٢) هو أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزبيدي (بضم الزّاى ، نسبة إلى قرية بساحل المهدية) توفي عام ٧٤٠ ه (انظر رحلة ابن بطوطة ص ٦).
(٣) تونس (Tunis) عرضها الشمالي ٥٠ ـ ٣٦ وطولها الشرقي ٣ ـ ١٠) بضم التاء فواو. والنون تضم وتفتح وتكسر ؛ عاصمة القطر التونسي اليوم. ياقوت ٢ / ٤٣٢.
(٤) برال : بضم الباء الموحّدة ، وفتح الراء المشدّدة ، هكذا قيّده ابن خلدون بالقلم ، ومعاصره محمد بن ميمون البلوى الأندلسي بخطّه بالقلم أيضا (انظر ١٣٥ مجاميع ورقة ١٠٠ ظ س ٥) مخطوط بدار الكتب. وقد ورد هذا العلم محرفا في كثير من المراجع.