بذلك ، فخرج قيس وعليه حلّة كساه معاوية ، وتحته ناقة حمله عليها ، فسار حتى قدم المدينة ، فنزل على امرأة بالمدينة يقال لها بريكة كانت بينها وبين لبنى مودّة ، وأهدى لها وللبنى هدايا (١) وألطافا ، وأخبرها بكتاب معاوية فقالت له لبنى : يا بن عمّ ما تريد إلى الشهوة ، أقم فإني أرفدك ما أقمت ، فأقام أياما وبلغ زوج لبنى قدومه ، فمنع لبنى زيارة بريكة ، فآيس من لقائها فأقبل [متلددا](٢) يفكر في دفع كتاب معاوية تارة وتارة يندفع (٣) فبينا هو كذلك إذ رأى ابن أبي عتيق ، وقد كان سمع بذكره فعرفه ، فقال : يا أعرابي ما لي أراك متحيرا كأنك لا تؤدي إلى رشد مالك بها أحد ، قال : دعني بارك الله فيك لما بي ، قال : أخبرني بشأنك فإنّي على ما تريد قادر فأبى عليه ، فقال : لست بمفارقك أو تخبرني ، فقصّ عليه قصته ، فقال : لا أراني إلّا في طلب مثلك ، انطلق إلى المنزل ، فانطلق معه فأقام ليلته عنده يحدّثه بأمره ، وعشقه ، وينشده ، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب فأتى عبد الله بن جعفر فقال : جعلني الله فداك ، اركب معي في حاجة لي ، فركب واستنهض معه ثلاثة أو أربعة من قريش ، فمضى بهم ولا يدرون ما يريد ، حتى أتى باب زوج لبنى ، فاستأذن عليه فخرج فإذا وجوه قريش ، فقال : جعلني الله فداكم ما جاء بكم؟ قالوا : حاجة لابن أبي عتيق استعان بنا عليك فيها ، فقال : اشهدوا أن حكمه جائز ، فقال لابن أبي عتيق : أخبره بحاجتك ، فقال : اشهدوا أن امرأته لبنى طالق ثلاثا ، فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه ثم قال : لقد جئت بنا قبّحك الله ، وقبّح رأيك ، فقال : جعلت فداكم يطلّق هذا امرأته ويتزوج أخرى ، خير من أن يموت رجل مسلم ، فقال عبد الله بن جعفر : أما إذا فعل ما فعل فاشهدوا أن له عندي عشرة آلاف درهم ، فقال ابن أبي عتيق : والله لا أبرح حتى ينقل متاعها ، ففعلت وأقامت في أهلها حتى انقضت عدتها ، فأتى قيس أباها ، فسأله أن ينكحه إياها فأبى عليه ، فمشى إليه قوم من أهلها وسألوه وقالوا : قد علمت ما لكلّ واحد منهما في قلب صاحبه ، فزوّجه إياها ، فمكثا عمرا من دهرهما بأنعم عيش.
وفي غير رواية أبي عمرو الشيباني أن عبد الله بن جعفر أمر لقيس بن ذريح بعشرة آلاف درهم وقال له : استعن بها على صلاح أمرك ، وعد إلى من أحببت.
أخبرنا أبو العزّ بن كادش ، أنبأنا أبو محمّد الجوهري ـ قراءة ـ.
__________________
(١) في «ز» : هداياه ألطافا.
(٢) زيادة عن م و «ز».
(٣) في «ز» : يتذمم.