قيس في السر ، وأمرهم أن يتعجلوا إليه ، وليكون أمره وأمرهم ، واحدا (١) ، وليجتمعوا على نفي الأبناء من بلاد اليمن ، فكتبوا إليه بالاستجابة له ، وأخبروه بأنهم إليه سراع ، فلم يفجأ أهل صنعاء إلّا الخبر بدنوهم منها ، فأتى قيس فيروز في ذلك كالفرق من هذا الخبر وأتى داذويه ، فاستشارهما ليلبس عليهما ، ولئلا يتهماه ، فنظروا في ذلك واطمأنوا إليه.
ثم إن قيسا دعاهم من الغد إلى طعام ، فبدأ بداذويه ، وثنّى بفيروز وثلث بجشيش ، فخرج داذويه حتى دخل عليه ، فلما دخل عليه عاجله فقتله ، وخرج فيروز يسير حتى إذا دنا سمع امرأتين على سطحين تتحدثان ، فقالت إحداهما : هذا مقتول كما قتل داذويه ، فلقيهما ، فعاج حتى يرى أويّ القوم الذي أربئوا (٢) فأخبر برجوع فيروز ، فخرجوا يركضون ، وركض فيروز ، وتلقّاه جشيش ، فخرج معه متوجها نحو جبل خولان ـ وهم أخوال فيروز ـ فسبقا الخيول إلى الجبل ، ثم نزلا ، فتوقّلا وعليهما خفاف ساذجة ، فما وصلا حتى تقطعت أقدامها ـ وانتهيا إلى خولان وامتنع فيروز بأخواله ، وآلى ألّا ينتعل ساذجا ، ورجعت الخيول إلى قيس ، فثار بصنعاء فأخذها ، وجبى ما حولها ، مقدما رجلا ومؤخرا أخرى ، وأتته خيول الأسود ، ولما أوى فيروز إلى أخواله خولان ومنعوه وتأشب إليه الناس ، وكتب إلى أبي بكر بالخبر. فقال قيس : وما خولان! وما فيروز! وما قرار أووا إليه! وطابق على قيس عوامّ قبائل من كتب أبو بكر إلى رؤسائهم ، وبقي الرؤساء معتزلين قد اشتد عليهم ، وعمد قيس إلى الأبناء ففرقهم ثلاث فرق : أقرّ من أقام ، وأقرّ عياله ، وفرق عيال الذين هربوا إلى فيروز فرقتين ، فوجّه إحداهما إلى عدن ، ليحملوا في البحر ، وحمل الأخرى في البر ، وقال لهم جميعا : الحقوا بأرضكم ، وبعض معهم من يسيرهم ، فكان عيال الديلمي ممن سير في البر ، وعيال داذويه ممن سير في البحر ، فلما رأى فيروز أن قد اجتمع عوام أهل اليمن على قيس ، وأن العيال قد سيروا وعرّضوا للنهب ، ولم يجدوا إلى فراق عسكره في تنقذهم سبيلا ، وبلغه ما قال قيس في استصغاره للأخوال والأبناء ، فقال فيروز منتميا ومفاخرا وذكر الظعن (٣) :
ألا ناديا ظعنا إلى الرمل ذي النخل |
|
وقولا لها أن لا يقال ولا عذلي |
وما ضرهم قوال العداة لو أنّه (٤) |
|
أتى قومه عن غير فحش ولا بخل |
__________________
(١) تقرأ بالأصل وت : «راحة» ، والمثبت عن الطبري.
(٢) أربئوا : أشرفوا وعلوا.
(٣) الشعر في تاريخ الطبري ٣ / ٣٢٥.
(٤) رسمها بالأصل وت : «اتر» والمثبت عن الطبري.