وأنّهم قد يشنون الغارات على البلاد لأجل حيازة هذه المعادن ، هو ظنّ لعمري بغير محله.
فإنّ الإفرنج يعرفون مواقع هذه المعادن ـ ويعلمون ما فيها ، إن لم يكن تفصيلا فإجمالا ـ وعندهم علم آخر من طبقات الأرض ، يجعلهم عارفين بما يحتوي من المعدن والفلز كلّ نوع من هذه الطبقات ، فإن كانوا لم يشنّوا الغارات إلى اليوم على الجزيرة فليس لجهلهم بما في بطنها من الكنوز والخيرات ، بل لأنّ الأمور مرهونة بأوقاتها ، والاستيلاء على جزيرة العرب أو على بعض أقسام من جزيرة العرب ليس بالأمر السهل ، بل دونه عقبات من وعورة الجبال ، وحرارة الرّمال ، وشجاعة الرجال ، فضلا عما بين الدول من التنافس الذي يحمل بعضهنّ على الوقوف بالمرصاد لبعض ، مما يخشى منه وقوع الحرب بينهن.
وعلى كلّ حال فالجزيرة إلى الآن سالمة من استيلاء الأجنبي إلا بعض أطراف لا بال لها.
فليس من الحكمة ، ولا من الحزم ، أن نضيّع على أنفسنا ثروة ، نحن في أشد الاحتياج إليها تحت ملاحظات ليست صحيحة ، وأسباب غير واردة.
ومما يدلّنا على كون هذه المعادن معروفة عند الإفرنج رسالة بالألمانية أطلعني عليها مؤخّرا مؤلفها المستشرق الألماني الشهير الأستاذ موريتز واسمها «المعادن في العربية القديمة» (die Bergwerke in altenarabien) جاء فيها ما ملخصه : يظنّ النّاس إجمالا أنّ جزيرة العرب هي من أفقر بلاد الدنيا ، وحقيقة الحال أنّها ليست كذلك ، بل إذا نظرنا إلى ما كانت عليه في القرون الوسطى نجدها كانت ذات ثروة تضرب بها الأمثال ، وكانت تلك الثروة آتية من منبعين :
أحدهما : كون الجزيرة طريق التجارة بين الشرق والبحر المتوسط.