حرارته تقابل من (٤٠) درجة بميزان سنتيغراد إلى (٥٠) ، وذلك لأوّل مرة في حياتي.
لا جرم أنّي لم أتحمّل هذا الفرق الشاسع ، ورأيت نفسي هبطت هبطة واحدة كما يقع الزق عن الظهر لا متدرجا ولا متدحرجا.
وكان قد سبق أنّي لما مررت بمدينة السويس منتظرا باخرة البوسطة المصرية للركوب بها إلى جدة ، لم يشاؤوا أن يمهلوني يومين ، ريثما يأتي ميعاد سفر الباخرة ، بل صدر الأمر بتسفيري على باخرة هندية سيئة الحال ، مسلوبة جميع أسباب الراحة : في المنام ، والغذاء ، والجلوس ، وكل شيء ، وناهيك أنّه كان فيها نحو (١٥٠٠) حاج ، وأنّها كانت من البواخر الصغيرة ، فبعد هذا لا ينبغي لي أن أطيل الشرح ، وأن أقول : كيف مرضت؟ وإنما أقول : إني وطئت أرض جدة ملتاثا.
ثم إني لما وصلت إلى مكة ، نزلت في منزل سعادة ولدنا فؤاد بك حمزة ، وكيل الشؤون الخارجية ، فهيأ لي سريرا على السطح ، كما هي عادة أهل البلد الحرام في أيام الصيف ، ولكنّ هذا السطح لم يكن مفتوحا من جوانبه الأربعة ، كما هي بعض السطوح ، لأنّ الباني الأصلي لذلك البيت (١) كان قد حوّطه بجدران عالية فوق قامة الإنسان غيرة على الحرم أن ينظر أحد لهن شبحا ولو من بعيد ، فأصبح السطح مسدودا من كل جهاته إلا من الأعلى ، فلم يكن الإنسان ينظر منه إلا القبة الزرقاء.
ومن عادة الناس أن يفتحوا في الحيطان نوافذ لأجل الهواء ، أو للنظر عند اللزوم ، فأما هذا السطح فلم تكن في جدرانه العالية إلا قمريتان أو ثلاث ، مشبّكات بحجارة مستديرة ، بينها ثقوب ضيقة ،
__________________
(١) ليس هذا من عمل باني ذلك البيت وحده ، بل عامة البيوت هنالك مثله ، تترك فيها حجرة بغير سقف ولا نوافذ ، لأجل السهر والنوم فيها ، مع عدم كشف الجيران ونظرهم.