ولقد تمكّن السلطان من إيصال الخط من دمشق إلى المدينة المنورة ، وسارت عليه القطر ، التي لم يكن في كلّ أوربة إذ ذاك قطر أجلّ منها ، وكان المسافر يقطع ما بين دمشق والمدينة أي زهاء ألف وأربعمئة وخمسين كيلو مترا في ليلتين ، ولو لا مصادفة خلع السلطان أيام العمل بهذا الخط لكان أكمله إلى مكة وإلى الطائف وسار به حتى صنعاء.
فمن واجبات الأمة العربية السعيّ في إكمال مشروع السلطان عبد الحميد هذا ، فقد كان السلطان ووزراؤه يرونه ضروريا للوحدة العثمانية ، وكان ذلك حقا ، ولكن العثمانية قد ذهبت ، وذهبت وحدتها ، وانطوى بساطها ، وأما العربية فلن تذهب ، ووحدتها لا تزال نشيد آمال العرب ، وإنّ من أركان هذه الوحدة وأعمدتها الكبرى هذا الخط الحديدي ، الذي لا يقف الإنكليز والفرنسيس في وجه استئناف إتصاله بالشام وفلسطين إلا خوفا من يقظة هذه الوحدة.
ثم إنّ الدولة العثمانية كانت قد شيدت في الطائف ثكنة عسكرية من أعظم ثكن الجند في العالم ، طولها ثلاثمئة متر ، وعرضها يقرب من ذلك ، وأمامها سهل منبسط مستو كحد الحصان ، لا يجتازه الماشي من باب القشلة إلى آخره في أقل من عشرين دقيقة ، وقد جعلت في جانب من هذه الثكنة العظيمة مستشفى متقنا ، وفي وسط ميدان الثكنة الفسيح قصرا لاجتماع أمراء الجيش ، وجميع هذه الأبنية لا تزال ماثلة ، لا ينبغي لها إلا بعض ترميمات غير ذات بال.
ولقد علمت من حديث دار بيني وبين سمو الأمير المهذب الكامل فيصل بن عبد العزيز ـ ثاني أنجال جلالة الملك ، ونائب جلالته في الحجاز ـ أنّ ترميم المستشفى وإعادته كما كان من الأمور المقررة ، وكذلك ترميم القصر الذي في وسط الميدان ، بحيث يجلس فيه الملك عندما يجيء إلى الطائف ، وأنّهم ينوون نقل جميع دوائر الحكومة في