وخير من هؤلاء الصادّين عن سبيل الله ، المنفّرين عن شعائر الله ، والمؤذين لجيران الله من يؤلّفون كتبا في رحلاتهم الحجازية ، ينقلون فيها أحكام المناسك الفقهية ، وبعض الأخبار التاريخية والأدبية ، وقد كتبوا في رحلاتهم وفي الصحف ما أبلاه الحق من وصف أمن الحجاز ، وتوفير أسباب الراحة للحاجّ ، والثناء على الحكومة السعودية ، ورجاء الخير العظيم للإسلام فيها.
بيد أنّك قلّما ترى فيما كتبوا عبرة جديدة ، أو شيئا من الاقتراحات المفيدة ، أو ترغيبا في البذل لعمارة المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو لتسهيل السبيل على الحجاج والزائرين ، وتوفير المياه لهم وللمقيمين ، اقتداء بما كان من فعل السلف الصالحين.
دع ما هو أعلى من ذلك منزعا ، وأروى مشرعا ، وأبعد في الإصلاح غاية ، وأقوى في درء الخطر عن الإسلام وقاية ، فقد علم الواقفون على سياسة الاستعمار الأوربي أنّ خطره قد أحاط بجزيرة العرب ، ونفوذ بعض دوله تغلغل في بعض أنحائها ، ثم طفق يوغل في أحشائها ، ويلغ في دمائها ، فإنّ المستعمرين قد استولوا على سكة الحديد الحجازية ، التي كان الغرض الظاهر القريب من إنشائها تسهيل أداء الفريضة ، والباطن البعيد حفظ الجزيرة نفسها من الاستعمار الأوربي ، ومن قتل الإسلام في عقر داره ، وإزاحته عن قراره ، تمهيدا لمحوه من الأرض كلها.
كذلك كان شأن المسلمين في حجهم وزيارتهم ، وكذلك كان ما دونوا في رحلاتهم ومقالاتهم ، إلى أن أذن الله تعالى لعبده المجاهد في سبيله بماله ونفسه ، ولسانه وقلمه ، وعلمه وعمله ، الأمير شكيب أرسلان ، الذي بحق لقّبته أمته بأمير البيان ـ أن يستجيب لأذان إبراهيم خليل الرحمن صلىاللهعليهوسلم ، فيؤدّي فريضة الحجّ ، ويمرض مرضا يضطره بعد أداء المناسك إلى الالتجاء إلى الطائف ، والتوقّل في جبالها وذراها ،