العربية المعمورة ، وأنّه قد تقلّص عمرانها كما تقلّص عمران سائر الجزيرة بسبب الفتوحات الإسلامية ، التي ضربت من الجزيرة إلى الصين والهند شرقا ، وإلى الأناضول والطاغستان شمالا ، وإلى [الميحط] الأطلسي غربا ، وكانت كلّها على أيدي العرب ، الذين التهمتهم القواصي ، وأفنى رجالهم قراع الكتائب ، فخلا كثير من ديارهم الأصلية ، وصفرت الجزيرة من تلك الجموع ، التي كانت تموج بها ، وتداعت القصور ، وانهارت السدود ، وتعطّلت القني ، وتصوّحت النضرة ، وعطشت الأرض.
وأما الكتابات المنقوشة على الصخور ، فلم يضر بها الجوع ولا العطش ، فبقيت على حالها ، ناطقة بما كان ثمة من عمران سابق ومجد سامق.
ولقد أتيح لي أن أرى طرفا من هذه الكتابات ، وأن أقرأ بعضها ، وأن تشكل عليّ قراءة البعض الآخر ، فعوّلت فيه على بعض الأساتيذ المختصصين بمعرفة الخطوط القديمة ، وذلك أنّي نسخت ما قرأته في جبل السّكارى في وسط الطائف ، وبعثت به إلى برلين ، وذلك إلى الأستاذ موريتز (Morits) من فحول المستشرقين ، فحلّ الكتابة وأعادها إلي ، ولم تكن من الخط المسند ، بل من الخطّ الكوفي القديم ، الذي لم نألفه ، فإنّ الخط الكوفي ليس شكلا واحدا ، وهذه الكتابات خالية مع الأسف من التواريخ.
وأكثر ما عثرت به من هذه الكتابات في كلّ محل خلو من ذكر السنة التي كتبت فيها ، إلا ما كان منها متأخّرا من آثار القرن الرابع والقرن الخامس للهجرة ، وما بعد ذلك فهو مؤرّخ بالأشهر والسنين ، كما هي العادة.
ويظهر أنّ الكتابات التي في جبل السّكارى هي من القرن الأول للهجرة ، وكان بعضها من زمن الجاهلية.